بإذن الله، ورفع نبوزراذان عنهم القتل، وقال: آمنتُ بما آمنت به بنو إسرائيل، وصدّقتُ به، وأيقنتُ أنه لا ربّ غيره، ولو كان معه آخر لم يصلح، لو كان معه شريك لم تستمسك السموات والأرض، ولو كان له ولد لم يصلح، فتباركَ وتقدَّس وتسبحَ وتكبّر وتعظَّم! ملك الملوك الذي يملك السموات السبع بعلم وحُكْم وجبروت وعزّة، الذي بسط الأرض وألقَى فيها رواسيَ لا تزول؛ فكذلك ينبغي لربّي أنْ يكون ويكون مُلْكه. فأوحي إلى رأسٍ من رؤوس بقية الأنبياء: أنّ نبوزراذان حبور صدوق - والحبور بالعبرانية: حديث الإيمان - وأنّ نبوزراذان قال لبني إسرائيل: إنّ عدو الله خردوس أمرَني أن أقتلَ منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره. وإني فاعل، لستُ أستطيع أن أعصيَه. قالوا له: افعل ما أمرت به، فأمرهم، فحفروا خندقًا، وأمر بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والإبل فذبحها، حتى سال الدم في العسكر، وأمر بالقتلى الذين كانوا قُتِلوا قبل ذلك فطُرِحوا على ما قتل من مواشيهم؛ حتى كانوا فوقهم؛ فلم يظنّ خردوس إلا أنّ ما كان في الخندق من بني إسرائيل.
فلما بلغ الدم عسكره أرسل إلى نبوزراذان: ارفعْ عنهم، فقد بلغني دماؤهم، وقد انتقمت منهم بما فعلوا. ثم انصرف عنهم إلى أرض بابل، وقد أفنى بني إسرائيل، أو كاد؛ وهي الوقعة الأخيرة التي أنزل الله ببني إسرائيل؛ يقول الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَقَضَينَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} إلى قوله: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا}. و"عسى" من الله حقّ، فكانت الوقعة الأولى بختنصّر وجنوده، ثم ردّ الله لهم الكرّة عليهم، ثم كانت الوقعة الأخيرة خردوس وجنوده، وهي كانت أعظم الوقعتين، فيها كان خراب بلادهم وقتل رجالهم وسبيُ ذراريهم ونسائهم؛ يقول الله عزّ وجلّ:{وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}(١). (١: ٥٩٠/ ٥٩١ / ٥٩٢/ ٥٩٣).
رجع الحديث إلى حديث عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام. قال: وكانت مريم، ويوسف بن يعقوب ابن عمّها يليَانِ خدمة الكنيسة، فكانت مريم إذا نفد ماؤها -فيما ذكر- وماء يوسف أخذ كلّ واحد منهما قلّته، فانطلق إلى المغارة