التي فيها الماء الذي يستعذبانه، فيملأ قُلّته، ثم يرجعان إلى الكنيسة. فلما كان اليوم الذي لقيَها فيه جبرئيل - وكان أطولَ يوم في السنة وأشدّه حرًّا - نفد ماؤها، فقالت: يا يوسف! ألا تذهب بنا نستقي! قال: إن عندي لفضْلًا من ماء أكتفي به يومي هذا إلى غد، قالت: لكنيّ والله ما عندي ماء، فأخذت قُلَّتَها، ثم انطلقت وحدها، حتى دخلت المغارة، فتجد عندها جبرئيل، قد مثّله الله لها بشرًا سويًّا: فقال لها: يا مريم! إن الله قد بعثني إلَيك لأهب لك غلامًا زكيًا، قالت:{قَالتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}، وهي تحسبه رجلًا من بني آدم فقال: إنما أنا رسولُ ربّك، قالت: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَال كَذَلِكِ قَال رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}، أي: أن الله قد قضى: أنّ ذلك كائن. فلما قال ذلك؛ استسلمتْ لقضاء الله، فنفخ في جيبها، ثم انصرف عنها، وملأت قلّتها (١). (١: ٥٩٣).
٧٨٤ - قال: فحدثني محمد بن سهل بن عسكر البخاريّ، قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدّثني عبد الصمد بن معقل - ابن أخي وهب - قال: سمعت وهبًا قال: لما أرسل الله عزَّ وجلَّ جبرئيل إلى مريم، تمثّل لها بشرًا سويًّا. فقالت:{قَالتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}، ثم نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرَّحِم، واشتملت على عيسى.
قال: وكان معها ذو قرابة لها يقال له: يوسف النجَّار، وكانا منطلقَين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون؛ وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، وكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد في ذلك الزمان، وكان لخدمته فضل عظيم، فرغبا في ذلك، فكانا يَلِيَان معالجته بأنفسهما وتجميرَه وكناسته وطهوره، وكلّ عمل يعمل فيه، فكان لا يُعلم من أهل زمانهما أحدٌ أشدّ اجتهادًا وعبادة منهما، وكان أول مَنْ أنكر حَمْل مريم صاحبُها يوسف، فلما رأى الذي بها استعظمه، وعظم عليه، وفظع به، ولم يدر على ماذا يضع أمرها! فإذا أراد يوسف أن يتَّهمها ذكر صلاحَها، وبراءتها، وأنها لم تغِبْ عنه ساعة قطُّ، وإذا أراد أن يبرِّئها رأى الذي ظهر بها، فلمّا اشتدّ عليه ذلك؛ كلَّمها، فكان أولُ كلامه إياها أن قال لها: إنه قد وقع في نفسي من أمرك أمر قد حرَصت