للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدوّك، ثم جاهده في الله حقّ جهاده، ومت موت الصابرين.

فلم يشعر الآخرون إلّا وقد أقبل جرجيس، وهم عكوف على عيد لهم قد صنعوه فرحًا -زعموا بموت جرجيس- فلما نظروا إلى جرجيس مقبلًا، قالوا: ما أشبه هذا بجرجيس! قالوا: كأنّه هو؟ قال الملك: ما بجرجيس من خفاء، إنّه لهو! ألا تروْن إلى سكون ريحه، وقلّة هيبته. قال جرجيس: بلى، أنا هو حقًّا! بئس القوم أنتم! قتلتم ومثّلتم، فكان الله -وحُقّ له- خيرًا وأرحم منكم. أحياني وردّ عليّ روحي. هلمّ إلى هذا الربّ العظيم الذي أراكم ما أراكم. فلما قال لهم ذلك؛ أقبل بعضُهم على بعض، فقالوا: ساحر سَحَر أيديَكم وأعينكم عنه. فجمعوا له مَنْ كان ببلادهم من السَّحَرة، فلما جاء السحرة، قال الملك لكبيرهم: اعرض عليّ من كبير سحرك ما تُسرّي به عنّي، قال له: ادع لي بثوْر من البقر، فلما أتِيَ به نفثَ في إحدى أذنيه فانشقّت باثنتين، ثم نفث في الأخرى؛ فإذا هو ثوران، ثم أمر ببذْر فحرث وبذر، ونبت الزرع، وأينع وحصد، ثم داس وذرّى، وطحن وعجن، وخبز وأكل ذلك في ساعة واحدة كما تروْن! قال له الملك: هل تقدر على أن تمسخه لي دابّة؟ قال الساحر: أي دابّة أمسخه لك؟ قال: كلبًا، قال: ادعُ لي بقَدح من ماء، فلما أتِيَ بالقدح نفث فيه الساحر، ثم قال للملك: اعزم عليه أن يشرَبه، فشربه جرجيس حتى أتى على آخره، فلما فرغ منه قال له الساحر: ماذا تجد؟ قال: ما أجد إلّا خيرًا، قد كنت عطشت فلطف الله لي بهذا الشراب، فقوّاني به عليكم. فلما قال له ذلك أقبل الساحر على الملك فقال: اعلم أيّها الملك، أنّك لو كنت تقاسي رجُلًا مثلك إذًا كنت غلبتَه، ولكنّك تقاسي جبّار السموات، وهو الملك الذي لا يُرام!

وقد كانت امرأة مسكينة، سمعت بجرجيس وما يَصنع من الأعاجيب، فأتته وهو في أشدّ ما هو فيه من البلاء، فقالت له: يا جرجيس! إنّي امرأة مسكينة، لم يكن لي مال ولا عيش إلا ثور كنت أحرث عليه فمات، وجئتك لترحمَني وتدعوَ الله أن يُحْيَي لي ثوري. فذرفت عيناه. ثم دعا الله أن يحيي لها ثورها، وأعطاها عصا، فقال: اذهبي إلى ثورك، فاقرَعيه بهذه العصا، وقولي له: احْيَ بإذن الله. فقالت: يا جرجيس مات ثوري منذ أيام، وتفرّقته السباع، وبيني وبينك أيام، فقال: لو لم تجدي منه إلا سنًّا واحدة ثم قرعتِها بالعصا لقام بإذن

<<  <  ج: ص:  >  >>