للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله. فانطلقت حتى أتت مصرع ثورها، فكان أوّل شيء بدا لها من ثورها أحد رَوْقَيه، وشَعر ذَنَبه، فجمعت أحدَهما إلى الآخر، ثم قرعتهما بالعصا التي أعطاها، وقالت كما أمرها، فعاش ثورها، وعملت عليه حتى جاءهم الخبر بذلك.

فلما قال الساحر للملك ما قال؛ قال رجل من أصحاب الملك -وكان أعظمَهم بعد الملك: اسمعوا منّي أيّها القوم أحدّثكم، قالوا: نعم، فتكلّم، قال: إنكم قد وضعتم أمرَ هذا الرجل على السّحر، وزعمتم: أنه سحرَ أيديَكم عنه وأعينكم. فأراكم أنّكم تعذبونه، ولم يصل إليه عذابكم! وأراكم أنكم قد قتلتموه فلم يمتْ، فهل رأيتم ساحرًا قطّ قَدَر أن يدرأ عن نفسه الموت، أو أحْيَا ميتًا قطّ! ثم قصّ عليهم فعل جرجيس، وفعلهم به، وفعلَه بالثور وصاحبته، واحتجّ عليهم بذلك كلّه، فقالوا له: إنّ كلامك لكلام رجل قد أصغَى إليه، قال: ما زال أمرُه لي معجبًا منذ رأيت منه ما رأيت، قالوا له: فلعلّه استهواك! قال: بل آمنت وأشهِدُ الله أنّي بريء مما تعبدون. فقام إليه الملك وصحابتُه بالخناجر، فقطعوا لسانه، فلم يلبث أن مات، وقالوا: أصابه الطاعون، فأعجله الله قبل أن يتكلّم.

فلما سمع الناس بموته، أفزعهم، وكتموا شأنه، فلما رآهم جرجيس يكتمونه برز للناس، فكشف لهم أمرَه، وقصّ عليهم كلامه، فاتّبعه على كلامه أربعة آلاف وهو ميّت، فقالوا: صدق، ونِعْم ما قال! يرحمه الله! فعمَد إليهم الملك فأوثقهم، ثم لم يزل يلوِّن لهم العذاب؛ ويقتلهم بالمَثُلات. حتى أفناهم.

فلما فرغ منهم؛ أقبل على جرجيس، فقال له: هلّا دعوت ربّك، فأحيا لك أصحابَك؛ هؤلاء الذين قُتِلوا بجريرتك! فقال له جرجيس: ما خلّى بينك وبينهم حتى خارَ لهم. فقال رجل من عظمائهم يقال له: مجليطيس: إنّك زعمت يا جرجيس أنّ إلهك هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وإنّي سائلك أمرًا إن فعله إلهك آمنت بك وصدّقتك، وكفيتُك قومي هؤلاء؛ هذه تحتنا أربعة عشر منبرًا حيث ترى، ومائدةٌ بيننا عليها أقداح وصحاف، وكلّ صنع من الخشب اليابس، ثم هو من أشجار شتى؛ فادْع ربّك ينشئ هذه الآنية وهذه المنابر، وهذه المائدة، كما بدأها أوّلَ مرّة؛ حتى تعود خضرًا نعرف كلَّ عود منها بلونه وورقه وزهره وثمره.

<<  <  ج: ص:  >  >>