للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال له جرجيس: قد سألتَ أمرًا عزيزًا عليّ وعليك؛ وإنّه عَلى الله لهيّن. فدعا ربه، فما برحوا مكانهم حتى اخضرّت تلك المنابر، وتلك الآنية كلّها، فساختْ عروقها، وألبِسَت اللِّحاء، وتشعّبت، ونبت ورقها وزهرها وثمرها، حتى عرفوا كلَّ عود منها باسمه ولونه وزهره وثمره.

فلما نظروا إلى ذلك؛ انتدبَ له مجليطيس، الذي تمنّى عليه ما تمنّى، فقال: أنا أعذّب لكم هذا الساحر عذابًا يضلّ عنه كيده. فعمَد إلى نحاس فصنع منه صورة ثور جوفاء واسعة، ثم حشاها نِفْطًا ورصاصًا وكبريتًا وزرنيخًا، ثم أدخل جرجيس مع الحشْو في جوفها، ثم أوقد تَحْتَ الصورة، فلم يزل يُوقد حتى التهبت الصورة، وذابَ كلّ شيء فيها واختلط، ومات جرجيس في جوفها. فلما مات أرسل الله ريحًا عاصفًا، فملأت السماء سحابًا أسودَ مظلمأ، فيه رعدٌ لا يفتر، وبرقٌ وصواعقُ متداركات، وأرسل الله إعْصارًا فملأت بلادهم عجاجًا وقَتامًا، حتى اسودّ ما بين السماء والأرض وأظلم، ومكثوا أيامًا متحيّرين في تلك الظلمة، لا يفصلون بين الليل والنهار. وأرسل الله ميكائيل فاحتمَلَ الصورة التي فيها جرجيس، حتى إذا أقلَّها ضرب بها الأرض ضربًا، فزع من رَوعته أهل الشأم أجمعون، وكلُّهم يسمعه في ساعة واحدة؛ فخزُوا لوجوههم صَعِقين من شدة الهول، وانكسرت الصورة، فخرج منها جرجيس حيًّا، فلما وقف يكلّمهم انكشفت الظلمة، وأسْفَر ما بين السماء والأرض، ورجعتْ إليهم أنفسهم. فقال له رجل منهم يقال له طرقبلينا: لا ندري يا جرجيس أنت تصنع هذه العجائب، أم ربّك؟ فإنْ كان هو الذي يصنعها، فادعه يُحْيِ لنا موتانا، فإن في هذه القبور التي ترى أمواتًا من أمواتنا، منهم مَنْ نعرف ومنهم مَنْ مات قبل زماننا، فادعه يُحيِهِمْ حتى يعودُوا كما كانوا ونكلّمهم، ونعرف مَنْ عرفنا منهم، ومَنْ لا نعرف أخْبِرْنا خبره. فقال له جرجيس: لقد علمتُ ما يصفح الله عنكم هذا الصفح، ويُريكم هذه العجائب إلّا ليتمّ عليكم حججه، فتستوجبوا بذلك غضبه. ثم أمر بالقبور فنبشت وهي عظام ورُفات ورميم. ثم أقبل على الدعاء فما برحوا مكانهم؛ حتى نظروا إلى سبعة عشر إنسانًا: تسعة رهط وخمس نسوة وثلاثة صبية؛ فإذا شيخ منهم كبير، فقال له جرجيس: أيها الشيخ، ما اسمك؟ فقال: اسمي يوبيل،

<<  <  ج: ص:  >  >>