فقال: متى مِتّ؟ قال: في زمان كذا وكذا، فحسبوا فإذا هو قد مات منذ أربعمئة عام.
فلما نظر إلى ذلك الملك وصحابته، قالوا: لم يبق من أصناف عذابكم شيء إلّا قد عذّبتموه، إلّا الجوع والعطش، فعذِّبوه بهما. فعمدوا إلى بيت عجوز كبيرة فقيرة، كان حريزًا، وكان لها ابن أعمى أبكم مقعد، فحصروه في بيتها فلا يصلُ إليه من عند أحدٍ طعام ولا شراب. فلما بلغه الجوع، قال للعجوز: هل عندك طعام أو شراب؟ قالت: لا والذي يُحلَف به، ما عهدنا بالطعام منذ كذا وكذا، وسأخرج وألتمس لك شيئًا. قال لها جرجيس: هل تعرفين الله؟ قالت له: نعم، قال: فإياه تعبدين؟ قالت: لا، قال: فدَعاها إلى الله فصدّقته، وانطلقت تطلب له شيئًا، وفي بيتها دعامة من خشبة يابسة تحمل خشب البيت، فأقبل على الدعاء، فما كان كشيء حتى اخضرّت تلك الدّعامة، فأنبتت كلَّ فاكهة تؤكل أو تعرف، أو تسمّى حتى كان فيما أنبتت اللّيَاء، واللوبياء. قال أبو جعفر: اللِّيَاء نبت بالشأم له حبّ يؤكل. وظهر للدِّعامة فرع من فوق البيت أظلّه وما حوله وأقبلت العجوز، وهو فيما شاء يأكل رَغَدا؛ فلما رأت الذي حدث في بيتها من بعدها، قالت: آمنت بالذي أطعمك في بيت الجوع، فادعُ هذا الربّ العظيم ليشفيَ ابني، قال: أدنيه مني، فأدنته منه، فبصَق في عينيه فأبصر، فنفثَ في أذنيه فسمع، قالت له: أطلق لسانه ورجليه، رحمك الله! قال: أخّريه؛ فإن له يومًا عظيمًا.
وخرج الملك يسير في مدينته، فلما نظر إلى الشجرة، قال لأصحابه: إني أرى شجرة بمكانٍ ما كنت أعرفها به، قالوا له: تلك الشجرة نبتت لذلك الساحر الذي أردت أن تعذّبه بالجوع، فهو فيما شاء قد شبع منها، وشبعت الفقيرة وشفى لها ابنَها. فأمر بالبيت فهدم، وبالشجرة لتقطع، فلما همّوا بقطعها أيبسها الله تعالى كما كانت أوّل مرة، فتركوها، وأمر بجرجيس فبُطح على وجهه وأوتد له أربعة أوتاد، وأمر بعجَل فأوقر أسطوانًا ما حمل، وجعل في أسفل العجَل خناجر وشفارًا، ثم دعا بأربعين ثورًا، فنهضت بالعجَل نهضة واحدة، وجرجيس تحتها، فتقطّع ثلاث قطع، ثم أمر بقطعة فأحرقت بالنار؛ حتى إذا عادت رمادًا بعث بذلك الرماد رجالًا فذرّوه في البحر، فلم يبرحوا مكانهم حتى