للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء مما نزل بك إلّا أن أنيسًا سائس الفيل لي صديق، فسأرسل إليه فأوصيه بك، وأعظّم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلّمه بما تريد، ويشفع لك عنده بخير؛ إن قدر على ذلك. قال: حسبي.

فبعث ذو نفْر إلى أنَيس، فجاء به، فقال: يا أنَيس! إن عبد المطلب سيّد قريش وصاحب عير مكة يطعم الناس بالسّهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب له الملك مئتي بعير فاستأذِنْ له عليه، وانفعه عنده بما استطعت. قال: أفعل، فكلّم أنيس أبرهة، فقال: أيها الملك! هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عِير مكّة يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فَائْذنْ له عليك، فيكلِّمك بحاجته وأحْسِن إليه. قال: فأذن له أبرهة -وكان عبد المطلب رجلًا عظيمًا وسيمًا جسيمًا- فلما رآه أبرهة أجلّه وأكرمه أن يجلس تحته، وكره أن تراه الحبشة يُجلسه معه على سرير مُلْكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له حاجَتك إلى الملك، فقال له ذلك التّرجمان، فقال عبد المطّلب: حاجتي إلى الملك أن يردّ عليّ مئتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتُك، ثم زهدت فيك حين كلّمتَني؛ أتكلّمني في مئتي بعير قد أصبتُها لك وتتركُ بيتًا هو دينك ودين آبائك قد جئتُ لهدمه لا تكلّمني فيه! قال له عبد المطلب: إنّي أنا ربّ الإبل، وإن للبيت ربًّا سيمنعه، قال: ما كان ليمنع منّي، قال: أنت وذاك، اردد إليّ إبلي.

وكان -فيما زعم بعض أهل العلم- قد ذهب مع عبد المطّلب إلى أبرهة حين بحث إليه حُناطة: يعمر بن نُفاثة بن عديّ بن الدُّئِل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة -وهو يومئذ سيّد بني كنانة- وخويلد بن واثلة الهذلي -وهو يومئذ سيد هُذَيل- فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تِهامة على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبى عليهم. والله أعلم.

وكان أبرهة قد ردّ على عبد المطلب الإبل التي أصاب له، فلما انصرفوا عنه؛ انصرف عبد المطّلب إلى قُريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرّز في شَعَف الجبال والشِّعاب تخوُّفًا عليهم معرّة الجيش، ثم قام عبد المطّلب فأخذ بحلْقة الباب باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله

<<  <  ج: ص:  >  >>