ليس فيها زرع ولا ضرع ولا أنيس ولا ماء ولا زاد؟ قال: ربي أمرني، قالت: فإنه لن يضيعنا، قال: فلما قفا إبراهيم قال: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} يعني من الحزن {وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}. فلما ظمئ إسماعيل جعل يدحص الأرض بعقبه فذهبت هاجر حتى علت الصفا، والوادي يومئذ لاخٍ -يعني عميق- فصعدت الصفا، فأشرفت لتنظر: هل ترى شيئًا؟ فلم تر شيئًا، فانحدرت فبلغت الوادي، فسمعت فيه حتى خرجت منه، فأتت المروة فصعدت فاستشرفت: هل ترى شيئًا؟ فلم تر شيئًا، ففعلت ذلك سبع مرات، ثم جاءت من المروة إلى إسماعيل، وهو يدحص الأرض بعقبه، وقد نبعت العين وهي زمزم، فجعلت تفحص الأرض بيدها عن الماء، وكلما اجتمع ماء أخذته بقدحها، فأفرغته في سقائها، قال: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يرحمها الله! لو تركتْها لكانت عينًا سائحة تجري إلى يوم القيامة".
قال: وكانت جُرْهم يومئذ بواد قريب من مكة، قال: ولزمت الطير الوادي حين رأت الماء، فلما رأت جُرْهم الطير لزمت الوادي، قالوا: ما لزمته إلا وفيه ماء، فجاؤوا إلى هاجر، فقالوا: لو شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك، قالت: نعم! فكانوا معها حتى شبّ إسماعيل وماتت هاجر، فتزوج إسماعيل امرأة من جُرْهم، قال: فاستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر، فأذنت له، وشرطت عليه ألَّا ينزل، وقدم إبراهيم -وقد ماتت هاجر- إلى بيت إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ليس ها هنا، ذهب يتصيّد، وكان إسماعيل يخرج من الحرم فيتصيّد ثم يرجع، فقال إبراهيم: هل عندك ضيافة؟ هل عندك طعام أو شراب؟ قالت: ليس عندي وما عندي أحد، قال إبراهيم: إذا جاء زوجُك فأقرئيه السلام، وقولي له: فليغيّر عتبة بابه، وذهب إبراهيم وجاء إسماعيل، فوجد ريحَ أبيه فقال لامرأته: هل جاءك أحد؟ قالت: جاءني شيخ صفته كذا -وكذا كالمستخفَّة بشأنه- قال: فما قال لك؟ قالت: قال لي: أقرئي زوجك السلام، وقولي له: فليغيِّر عتبة بابه، فطلَّقها وتزوّج أخرى، فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبَث، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل، فأذنَت له واشترطت عليه ألا ينزل، فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل، فقال لامرأته: أين صاحبك؟ قالت: ذهب يتصيَّد وهو يجيء الآن إن شاء الله، فأنزل