أبو يكسوم، فدعا إلى طاعته، فأجابوه، فقتل أرياط، وغلب على اليمن، ورأى الناس يتجهّزون أيام الموسم للحجّ إلى البيت الحرام، فسأل: أين يذهب الناس؟ فقالوا: يحجّون إلى بيت الله بمكة، قال: ممّ هو؟ قالوا: من حجارة، قال: فما كسوته؟ قالوا: ما يأتي ها هنا من الوصائل، قال: والمسيح لأبنيَنّ لكم خيرًا منه! فبنى لهم بيتًا، عمله بالرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود، وحلّاه بالذهب والفضة، وحفَّه بالجوهر، وجعل له أبوابًا عليها صفائح الذهب ومسامير الذهب، وفصل بينها بالجوهر، وجعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة، وجعل لها حجابًا، وكان يوقد بالمْندَل، ويلطّخ جُدُره بالمِسك، فيسوّده حتى يغيب الجوهر. وأمر الناس فحجّوه، فحجّه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيه رجال يتعبّدون ويتألّهون، ونَسَكوا له، وكان نُفيل الخثعميّ يؤرِّض له ما يكره، فلما كان ليلة من الليالي لم ير أحدًا يتحرّك، فقامَ فجاء بعَذرة فلطّخ بها قبْلته، وجمع جِيفًا فألقاها فيه. فأخبر أبرهة بذلك، فغضب غضبًا شديدًا، وقال: إنّما فعلت هذا العرب غضبًا لبيتهم، لأنقضنّه حجرًا حجرًا. وكتب إلى النجاشيّ يخبره بذلك، ويسأله أن يبعث إليه بفيله "محمود" -وكان فيلًا لم يُر مثله في الأرض عِظَمًا وجسمًا وقوّة- فبعث به إليه، فلما قدم عليه الفيل سار أبرهة بالناس ومعه مَلِك حِمْير، ونُفَيل بن حبيب الخثعميّ، فلما دنا من الحرم أمر أصحابه بالغارة على نَعم الناس، فأصابوا إبلًا لعبد المطلب، وكان نُفَيل صديقًا لعبد المطّلب، فكلّمه في إبله، فكلّم نُفَيل أبرهة، فقال: أيُّها الملك، قد أتاك سيّد العرب وأفضلهم قَدْرًا، وأقدمهم شرفًا، يحمل على الجياد ويعطى الأموال، ويُطعِم ما هبّت الريح. فأدخله على أبرهة، فقال: حاجتك! قال: تردّ عليّ إبلي، فقال: ما أرى ما بلغني عنك إلا الغُرور، وقد ظننت أنّك تكلّمني في بيتكم الذي هو شرفُكم، فقال عبد المطلب: ارددْ عليّ إبلي، ودونك البيت؛ فإن له ربًّا سيمنعه. فأمر بردّ إبله عليه، فلما قبضها قلّدها النّعال، وأشعرها، وجعلها هَدْيًا، وبثّها في الحرَم لكي يصاب منها شيء فيغضب ربّ الحرم، وأوفى عبد المطلب على حراء ومعه عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومُطعم بن عديّ وأبو مسعود الثقفيّ، فقال عبد المطلب: