للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى كسرى، فاعترضَه يومًا وقد ركب، فصاح به: أيّها الملك، إنّ لي عندك ميراثًا. فدعا به كسرى لمّا نزل، وقال: مَنْ أنت؟ وما ميراثك؟ قال: أنا ابن الشيخ اليمانيّ ذي يزَن، الذي وعدتَه أن تنصره، فمات ببابك وحَضْرتك، فتلك العِدةُ حقّ لي وميراث يجب عليك الخروج لي منه. فرقّ له كسرى، وأمر له بمال. فخرج الغلام، فجعل ينثر الدراهم، فانتهبها الناس. فأرسل إليه كسرى: ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: إنّي لم آتك للمال، إنّما جئتك للرجال، ولتمنعَني من الذّلّ. فأعجَب ذلك كسرى، فبعث إليه: أن أقمْ حتى أنظرَ في أمرك. ثم إنّ كسرى استشار وزراءه في توجيه الجند معه، فقال له الموْبذان: إن لهذا الغلام حقًّا بنزوعه وموت أبيه بباب الملك وحضرته، وما تقدّم من عِدَته إياه، وفي سجون الملك رجال ذوو نجدة وبأس، فلو أن الملك وجّههم معه، فإن أصابوا ظفرًا كان له، وإن هلكوا كان قد استراح وأراح أهلَ مملكته منهم، ولم يكن ذلك ببعيد من الصواب.

قال كسرى: هذا الرّأي، وأمر بمن كان في السجون من هذا الضرْب، فأحصوا فبلغوا ثمانمئة نفر، فقوّد عليهم قائدًا من أساورته، يقال له: وهْرِز، كان كسرى يعدِ له بألف أسوار، وقوّاهم وجهّزهم وأمر بحملهم في ثمانيَ سفائن، في كُلّ سفينة مئة رجل، فركبوا البحر، فغرقت من الثماني السفن سفينتان، وسلِمت ستّ، فخرجوا بساحل حَضْرموت، وسار إليهم مسروق في مئة ألف من الحبشة وحِمْير والأعراب، ولحِق بابن ذي يزن بَشَرٌ كثير، ونزل وهْرِز على سِيف البحر، وجعل البحر وراء ظهره، فلمّا نظر مسروق إلى قلّتهم طمع فيهم، فأرسل إلى وهرز: ما جاء بك، وليس معك إلَّا من أرى، ومعي مَنْ ترى! لقد غرّرت بنفسك وأصحابك، فإن أحببت أذِنت لك؛ فرجعت إلى بلادك ولم أهجك؛ ولم ينلك ولا أحدًا من أصحابك منّي ولا من أحد من أصحابي مكروه، وإن أحببتَ ناجزتُك الساعة، وإن أحببت أجّلتك حتى تنظرَ في أمرك، وتشاور أصحابك.

فأعظم وهْرِز أمرَهم، ورأى: أنّه لا طاقة له بهم، فأرسل إلى مسروق، بل تضرب بيني وبينَك أجلًا، وتعطيني موثِقًا وعهدًا، وتأخذ مثله منّي؛ ألا يقاتل بعضنا بعضًا حتى ينقضي الأجلُ، ونرى رأينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>