فركب فرسًا، فقالوا: قد ركب فرسًا، فقال: ارفعوا لي حاجبَيّ، وقد كانا سقطا على عينيه من الكِبَر، فرفعوهما بعصابة، ثم أخرج نُشّابة، فوضعها في كبد قوسِه، وقال: أشيروا لي إلى مسروق، فأشاروا له إليه حتى أثبته، ثم قال لهم: ارموا، فرموْا، ونزع في قوسه حتى إذا ملأها سرح النشابة، فأقبلت كأنهما رِشاء، حتى صكّت جبهة مسروق، فسقط عن دابَّته، وقتل في ذلك الرّشق منهم جماعة كثيرة، وانفضّ صفّهم لمّا رأوا صاحبَهم صريعًا، فلم يكن دون الهزيمة شيء، وأمر وهْرز بجثّة ابنه من ساعته فوريت، وأمر بجثة مسروق، فألقيت مكانَها، وغَنم من عسكرهم ما لا يُحصى ولا يُعدّ كثرة، وجعل الأُسوار يأخذ من الحبشة ومن حِمْير والأعراب الخمسين والستين فيسوقهم مكتّفين، لا يمتنعون منه. فقال وهْرِز: أمّا حمير والأعراب فكفّوا عنهم، واقصدوا قصد السودان فلا تبقوا منهم أحدًا. فقتلت الحبشة يومئذ حتى لم يبق منهم كثير أحد، وهرب رجل من الأعراب على جَمَل له؛ فركضه يومًا وليلة، ثم التفت، فإذا في الحقيبة نُشّابة، فقال: لأمك الويل! أبُعْدٌ أم طول مسير - حسب أن النشابة لحقته. وأقبل وهْرز حتى دخل صنعاء، وغلب على بلاد اليمن، وفرّق عمَّاله في المخاليف.
وفي ابن ذي يزن وما كان منه ومن وهْرز والفُرس، يقول أبو الصّلْت أبو أميّة بن أبي الصَّلت الثقفيُّ:
لِيَطْلُبِ الْوتْرَ أمْثَالُ ابنِ ذي يَزَنٍ ... ريَّمَ في البحر للأعداءِ أحوالا
أتى هِرْقَلَ وقد شالتْ نَعامنُهُمْ ... فلَمْ يجِدْ عِنْدَه بَعْضَ الذي قالا