دَسَّت لبهرام مَنْ قتله. فيقال: إنَّ خاقان اغتمَّ لقتْله وأرسل إلى كردية أخته وامْرَأتِه يُعْلمها بلوغ الحادث ببهرام منه، ويسألُها أن تُزوّج نفْسها نطرًا أخاه، وطلَّق خاتون بهذا السَّبب، فيقال: إن كردية أجابت خاقان جوابًا ليّنًا وصرفت نطرًا، وإنَّها ضمَّت إليها من كان جمع أخيها من المُقَاتلة وخرجت بهم من بلاد التّرك إلى حدود مَمْلكة فارس، وإنَّ نطرًا التركي اتَبَعها في اثنيْ عشر ألف مقاتل، وإنَّ كردية قتلت نطرًا بِيَدِها ومضت لوجْهِها، وكَتَبتْ إلى أخيها كردي فأخذ لها أمانًا من أبَرْويز، فلمَّا قدمت عليه تزوَّجَهَا أبَرْويز واغْتَبَط بها وشكر لها ما كان من عِتابها لبهرام، وأقبل أبَرْويزُ على بِرّ مورِيق وإلطافه. وإنَّ الروم خَلَعُوا - بعْد أن ملك كسرى أربع عشرة سنة - موريقَ وقتلوه وأبادوا وَرَثَتَهُ - خلا ابن له هرب إلى كسرى - وملَّكوا عليهم رجلًا يقال له: قُوفا.
فلمَّا بلغ كِسْرى نكثُ الروم عهدَ موريق وقَتْلُهم إيَّاه؛ امتعض من ذلك وأنِفَ منه، وأخذته الحفيظة، فآوى ابنَ موريق اللّاجئَ إليه، وتوّجَه وملَّكه على الروم، ووجَّه معه ثلاثة نفر من قُوَّاده في جنود كثيفة. أمَّا أحدهم فكان يقال له: رُميوزان، وجَّهه إلى بلاد الشامِ فدوَّخها حتى انتهى إلى أرض فِلَسْطين، وورد مدينة بيت المَقْدس فأخذ أسْقُفها ومن كان فيها من القِسِّيسين وسائر النصارى بخشبة الصَّليب، وكانت وُضعت في تابوت من ذهب، وطُمِر في بُسْتان وزُرعَ فَوْقه مبقلة، وألحَّ عليهم حتى دلُّوه على موضعها، فاحتفر عنها بيده واستَخْرجها، وبعث بها إلى كِسْرى في أربع وعشرين من ملكه.
وأمَّا القائدُ الآخر - وكان يقال له: شاهين، وكان فاذوسبان المغرب - فإنّه سار حتى احتوى على مصر والإسكندرية وبلادِ نُوبة، وبعث إلى كِسْرى بمفاتيح مدينة إسكندرتة في سنة ثمان وعشرين من ملكه. وأما القائد الثالث فكان يقال له: فَرُّهان، وتدعى مرتبته شَهْربَراز. وإنَّه قصد القُسْطنْطِينيَّة حتى أناخ على ضَفَّة الخليج القريب منها، وخيَّم هنالك، فأمره كِسْرى فخرَّب بلاد الرُّوم غضبًا ممَّا انتهكوا من موريق، وانتقامًا له منهم، ولم يخضع لابن موريق من الرّوم أحد ولم يمنحه الطاعة، غير أنَّهم قتلوا قوفا الملكَ الذي كانوا ملّكوه عليهم لِمَا ظَهَرَ لهم من فجوره وجرْأته على الله وسوء تدبيره، وملَّكوا عليهم رجلًا يقال له: هِرَقْل.
فلمَّا رأى هرقل عظيم ما فيه بلادُ الروم من تخْريب جنود فارس إيَّاها وقَتْلِها