محمد مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهريّ، عن عبد الله بن كَعْب بن مالك، قال: كان مما صنع الله به لرسوله أن هذين الحيَّين من الأنصار: الأوس والخزرج كانا يتصاوَلان مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تصاوُلَ الفحْلين؛ لا تصنع الأوس شيئًا فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غناء إلَّا قالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذه فضلًا علينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام؛ فلا ينتهون حتى يُوقِعوا مثلها. قال: وإذا فعلت الخزرج شيئًا، قالت الأوس مثل ذلك. فلمّا أصابت الأوْس كعبَ بن الأشرف في عداوته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت الخزرج: لا يذهبون بها فضلًا علينا أبدًا. قال: فتذاكروا: مَنْ رجُلٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العداوة كابن الأشرف! فذكروا ابنَ أبي الحُقيق وهو بخيبر؛ فاستأذنوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في قتله، فأذن لهم، فخرج إليه من الخزرج ثم من بني سلمة خمسة نفر: عبد الله بن عَتِيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنَيس، وأبو قَتادة الحارث بن رِبعي، وخُزاعيّ بن الأسود؛ حليف لهم من أسلَم؛ فخرجوا، وأمَّر عليهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبدَ الله بن عتيك، ونهاهم أن يقتلوا وليدًا أو امرأة.
فخرجوا حتى قدموا خيبر؛ فأتوا دار ابن أبي الحُقيق ليلًا؛ فلم يَدَعوا بيتًا في الدَّار إلَّا أغلقوه من خلفهم على أهله، وكان في عُلّيَّة له إليها عَجَلَة روميَّة، فأسندوا فيها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا، فخرجت إليهم امرأته فقالت: مَنْ أنتم؟ فقالوا: نفرٌ من العرب نلتمس الميرَة، قالت: ذاك صاحبكم فادخلوا عليه، فلمّا دخلنا أغلقنا عليها وعلينا وعليه باب الحجرة، وتخوّفنا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه. قال: فصاحت امرأته، ونوّهت بنا، وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا؛ والله ما يدلُّنا عليه في سواد اللَّيل إلا بياضُه؛ كأنه قُبْطيَّةٌ مُلقاة. قال: ولما صاحتْ بنا امرَأته، جعل الرَّجل منَّا يرفع عليها السَّيف ثم يذكر نهيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فيكفّ يده؛ ولولا ذاك فرغنا منها بليلٍ، فلمَّا ضربناه بأسيافنا، تحامل عليه عبدُ الله بن أنَيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قَطْنِي قَطْنِي!
قال: ثم خرجنا، وكان عبد الله بن عتيك سيّئ البصر، فوقع من الدرجة فَوُثِئَتْ رجله وَثْئًا شديدًا واحتملناه حتى نأتي به مَنْهرًا من عيونهم، فندخل فيه. قال: وأوقدوا النِّيران، واشتدّوا في كلّ وجه يطلبوننا؛ حتى إذا يئسوا رجعوا إلى