للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله! فوالله لو لم أجدْ إلا الذرَّ لجاهدتُكم. ثم خرج فدخل على عليّ بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-، وعنده فاطمة ابنة رسول الله، وعندها الحسن بن عليّ؛ غلامٌ يَدِبُّ بين يديها، فقال: يا عليّ! إنك أمسُّ القوم بي رَحِمًا، وأقربُهم منّي قرابة، وقد جئتُ في حاجة؛ فلا أرجعَنَّ كما جئت خائبًا، اشفع لنا إلى رسول الله! قال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عَزَمِ رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلِّمه فيه، فالتفت إلى فاطمة، فقال: يابنة محمَّد؛ هل لكِ أن تأمري بُنيَّك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيِّد العرب إلى آخر الدهر! قالت: والله ما بلغ بُنَيِّي ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير على رسول الله أحد. قال: يا أبا الحسن! إني أرى الأمور قد اشتدَّت عليّ فانصحني. فقال له: والله ما أعلمُ شيئًا يُغني عنك شيئًا، ولكنَّك سيّد بني كنانة؛ فقم فأجِرْ بين الناس، ثم الحقْ بأرضك. قال: أوَ ترَى ذلك مُغْنيًا عني شيئًا! قال: لا والله ما أظنّ؛ ولكن لا أجدُ لك غير ذلك؛ فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيّها الناس؛ إني قد أجَرْتُ بين الناس؛ ثم ركب بعيره فانطلق (١). (٣: ٤٦/ ٤٧).

فلما قدم على قريش، قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدًا فكلَّمته، فوالله ما ردَّ عليّ شيئًا، ثم جئت ابنَ أبي قُحافة، فلم أجد عنده خيرًا، ثم جئت ابنَ الخطاب؛ فوجدته أعْدَى القوم، ثمّ جئت عليّ بن أبي طالب، فوجدته أليَنَ القوم؛ وقد أشار عليّ بشيء صنعتُه؛ فوالله ما أدري هل يغنيني شيئًا أم لا! قالوا: وبماذا أمَرَك؟ قال: أمرني أن أجيرَ بين الناس ففعلت؛ قالوا: فهل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا، قالوا: ويلك! والله إن زاد على أن لَعِبَ بك، فما يُغني عنَّا ما قلت، قال: لا والله، ما وجدتُ غير ذلك، قال: وأمرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بالجهاز؛ وأمر أهله أن يجهّزوه؛ فدخل أبو بكر على ابنتهِ عائشة وهي تحرّك بعض جِهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أي بنَية! أأمركم رسول الله بأن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهَّز، قال: فأين ترينَه يريد؟ قالت: والله ما أدري (٢). (٣: ٤٧).

ثم إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم الناس أنه سائر إلى مكة؛ وأمرهم بالجدّ والتهيُّؤ، وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نَبْغَتها في بلادها.


(١) ضعيف.
(٢) ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>