للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داود بن عبد الله الأوْدِيّ، عن حُمَيد بن عبد الرحمن الحميريّ، قال: تُوُفيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر في طائفة من المدينة، فجاء فكشف الثوبَ عن وجهْه فقبّله، وقال: فداك أبي وأمي! ما أطيبَك حيًّا وميتًا! مات محمدٌ وربّ الكعبة! قال: ثم انطلق إلى المنبر، فوجد عمر بن الخطاب قائمًا يُوعِد الناس، ويقول: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ لم يمت، وإنه خارج إلى من أرْجَفَ به، وقاطع أيدَيهم، وضارب أعناقهم، وصالبهم، قال: فتكلّم أبو بكر، وقال: أنِصتْ. قال: فأبى عمر أن يُنصِت، فتكلّم أبو بكر، وقال: إن الله قال لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}. {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... }، حتى ختم الآية، فمن كان يعبدُ محمدًا فقد مات إلهه الذي كان يعبُده، ومَنْ كان يعبد الله لا شريك له، فإن الله حيٌّ لا يموت.

قال: فحلف رجالّ أدركناهم من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -: ما علمنا أنّ هاتين الآيتين نزلَتَا حتى قرأهما أبو بكر يومئذ، إذ جاء رجل يسعَى فقال: هاتِيكَ الأنصار قد اجتمعت في ظُلّةِ بني ساعدة، يبايعون رجلًا منهم، يقولون: منّا أميرٌ ومن قريش أمير، قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاوَدان حتى أتياهم، فأراد عمر أن يتكلّم، فنهاه أبو بكر، فقال: لا أعصى خليفة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في يوم مرَّتَين.

قال: فتكلّم أبو بكر، فلم يترك شيئًا نزل في الأنصار، ولا ذكره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: من شأنهم إلّا وذكره. وقال: لقد علمتمْ أنّ رسولَ الله قال: لو سلك النَّاس واديًا وسلكت الأنصارُ واديًا سلكتُ واديَ الأنصار، ولقد علمتَ يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعدٌ: قريش ولاةُ هذا الأمر، فبَرُّ الناس تَبَعٌ لبَرّهم، وفاجرهم تبعٌ لفاجرهم، قال: فقال سعد: صدقتَ، فنحن الوزراء وأنتم الأمراء، قال: فقال عمر: ابسُطْ يدك يا أبا بكر فلأبايعك، فقال أبو بكر: بل أنت يا عمر، فأنت أقوَى لها منِّي، قال: وكان عمر أشدّ الرجلين، قال: وكان كلُّ واحد منهما يريد صاحبّه يفتح يده يضرب عليها، ففتح عمر يد أبي بكر وقال: إن لك قوّتي مع قوتّكِ. قال: فبايع الناسُ واستثبتوا للبيعة، وتخلّف عليّ والزّبير، واخترط الزُّبير سيفه، وقال: لا أغمده حتى يُبايعَ عليُّ، فبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فقال عمر: خُذُوا سيفَ الزُّبَيْر، فاضربوا به الحجَر، قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>