للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فيكم؟ وهذا كما تقدم عن نوح - عليه السلام - أنه قال لقومه سواء.
وقوله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} أي لست آمركم بالأمر إلا وأنا أول فاعل له، وإذا نهيتكم عن الشيء فأنا أول من بتركه.
وهذه هي الصفة المحمودة العظيمة، وضدها هي المردودة الذميمة، كما تلبس بها علماء بني إسرائيل في آخر زمانهم، وخطباؤهم الجاهلون، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وذكرنا عندها في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه -أي تخرج أمعاؤه من بطنه- فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فيجمع أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه". [صحيح البخاري / ح ٣٢٦٧] و [مسلم ٥٨/ ٢٩٨٩].
وهذه صفة مخالفي الأنبياء من الفجار والأشقياء، فأما السادة من النجباء، والألباء من العلماء، الذين يخشون ربهم بالغيب، فحالهم كما قال نبي الله شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إلا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} أي؟ ما أريد في جميع أمري إلا الإصلاح في الفعال والمقال بجهدي وطاقتي. {وَمَا تَوْفِيقِي} أي في جميع الأحوال {إلا بِاللَّهِ عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ} أي عليه أتوكل في سائر الأمور، وإليه مرجعي ومصيري في كل أمري. وهذا مقام ترغيب.
ثم انتقل إلى نوع من الترهيب فقال: {وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ}.
أي لا يحملنكم مخالفتي وبغضكم ما جئتكم به على الاستمرار على ضلالكم وجهلكم ومخالفتكم، فيحل الله بكم من العذاب والنكال، نظير ما أحله بنظرائكم وأشباهكم، من قوم نوح وقوم هود وقوم صالح من المكذبين المخالفين.
وقوله: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} قيل معناه: في الزمان، أي ما بالعهد من قدم، مما قد بلغكم ما أحل بهم على كفرهم وعتوهم. وقيل معناه: وما هم منكم ببعيد في المحلة والمكان، وقيل: في الصفات والأفعال المستقبحات، من قطع الطريق، وأخذ أموال الناس جهرة وخفية بأنواع الحيل والشبهات.
والجمع بين هذه الأقوال ممكن، فإنهم لم يكونوا بعيدين منهم لا زمانًا ولا مكانًا ولا صفات.
ثم مزج الترهيب بالترغيب فقال: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} أي: أقلعوا عما أنتم فيه، وتوبوا إلى ربكم الرحيم الودود، فإنه من تاب إليه تاب عليه، فإنه رحيم بعباده، أرحم بهم من الوالده بولدها: {وَدُودٌ} وهو الحبيب، ولو بعد التوبة على =

<<  <  ج: ص:  >  >>