إلى بغداد، حتى أغير منها إلى المدائن. قال: أنا أجيء معك، قال: لا أريد أن تجيء معي، ولكن ابعث معي من هو أدلُّ منك، فزوّدهم الأطعمة والأعلاف، وبعث معهم الأدلَّة، فساروا حتى إذا كانوا بالنّصف، قال لهم المثنَّى: كم بيني وبين هذه القرية؟ قالوا: أربعة أو خمسة فراسخ. فقال لأصحابه: من ينتدب للحَرس؟ فانتدب له قومٌ فقال لهم: أذكُوا حرسَكم، ونزل، وقال: أيُّها الناس، أقيموا واطعَموا وتوضّؤوا وتهيّؤوا. وبعث الطلائع فحبسوا النَّاس ليسبقوا الأخبار، فلمَّا فرغوا أسرى إليهم آخر الليل، فعبر إليهم، فصبَّحهم في أسواقهم، فوضع فيهم السيف فقتل، وأخذوا ما شاؤوا، وقال المثنَّى: لا تأخذوا إلّا الذهب والفضة، ولا تأخذوا من المتاع إلّا ما يقدر الرجل منكم على حمله على دابَّته. وهرب أهلُ الأسواق، وملأ المسلمون أيديَهم من الصفراء والبيضاء والحُرّ من كلّ شيء، ثم خرج كارًّا حتى نزل بنهر السَّيْلحين بالأنبار؛ فنزل وخطب الناس، وقال: أيُّها الناس! انزلوا وقَضُّوا أوطاركم، وتأهَّبوا للسَّير، واحمَدوا الله وسلُوه العافية، ثم انكشفوا قبيضًا. ففعلوا، فسمع همسًا فيما بينهم: ما أسرع القومَ في طلبنا! فقال: تناجَوْا بالبرّ والتقوى ولا تتناجَوْا بالإثم والعدوان، انظروا في الأمور وقدّروها ثم تكلَّموا؛ إنه لم يبلغ النذير مدينتهم بعد؛ ولو بلغهم لحال الرُّعب بينهم وبين طلبكم. إن للغارات رَوْعات تنتشر عليها يومًا إلى الليل، ولو طلبكم المحامون من رأي العين ما أدركوكم؛ وأنتم على العِراب حتى تنتهوا إلى عسكركم وجماعتكم، ولو أدركوكم لقاتلتهم لاثنتين: التماس الأجر ورجاء النصر؛ فثقُوا بالله وأحسنوا به الظَّنّ، فقد نصركم الله في مواطن كثيرة وهم أعدُّ منكم؛ وسأخبركم عنّي وعن انكماشي والذي أريد بذلك؛ إن خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أوصانا أن نقلِّل العُرْجة، ونسرع الكرّة في الغارات، ونسرع في غير ذلك الأوْبَة، وأقبل بهم ومعهم أدلّاؤهم يقطعون بهم الصحارى والأنهار؛ حتى انتهى بهم إلى الأنبار؛ فاستقبلهم دهاقين الأنبار بالكرامة، واستبشروا بسلامته، وكان موعده الإحسان إليهم إذا استقام لهم من أمرهم ما يحبّون (١). (٣: ٤٧٣/ ٤٧٤/ ٤٧٥).
(١) إسناده ضعيف، وكذلك ذكر الخطيب البغدادي حديث غارة المثنى على سوق بغداد وسوق الخنافس بسنده عن ابن إسحاق قال: قال ابن إسحاق: وحدثني عبيد الله أن أهل الحيرة قالوا =