إلى ذي قار، وخرج منها هو وسَلْمى إلى سعد بوصيَّة المثنَّى بن حارثة ورأيه، فقدموا عليه وهو بشرَاف، يذكر فيها: أنَّ رأيه لسعد ألّا يقاتل عدوّه وعدوّهم - يعني: المسلمين - من أهل فارس؛ إذا استجمع أمرهم وملؤهم في عُقْر دارهم، وأن يقاتلهم على حدود أرضهم على أدنى حَجَر من أرض العرب وأدنى مَدَرة من أرض العجم، فإن يُظهر الله المسلمين عليهم، فلهم ما وراءهم؛ وإن تكن الأخرى؛ اؤوا إلى فئة، ثم يكونوا أعلمَ بسبيلهم، وأجرأ على أرضهم؛ إلى أن يردّ الله الكرّة عليهم.
فلمَّا انتهى إلى سعد رأيُ المثنَّى ووصيَّته؛ ترحَّم عليه، وأمَّر المعنَّى على عمله، وأوصى بأهل بيته خيرًا، وخطب سَلْمَى فتزَوّجها وبنى بها؛ وكان في الأعشار كلِّها بضعة وسبعون بدْريًّا، وثلاثمئة وبضعة عشر ممَّن كانت له صحبة، فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك، وثلاثمئة ممَّن شهد الفتح، وسبعمئة من أبناء الصّحابة في جميع أحياء العرب. وقدم على سعد وهو بشَراف كتابُ عمر بمثل رأي المثنَّى؛ وقد كتب إلى أبي عُبيدة مع كتاب سعد، فوصل كتاباهما إليهما، فأمر أبا عبيدة في كتابه بصرْف أهل العراق وهم ستَّة آلاف، ومَن اشتهى أن يلحق بهم، وكان كتابه إلى سعد:
أمَّا بعد، فسرْ من شَراف نحو فارس بمن معك من المسلمين؛ وتوكَّل على الله، واستعِنْ به على أمرك كلِّه؛ واعلم فيما لديك أنَّك تقدِمُ على أمَّة عددهم كثير، وعُدَّتهم فاضلة، وبأسهم شديد، وعلى بلد منيع - وإن كان سهلًا - كَؤود لبحوره وفيوضه ودآدِئه؛ إلّا أن توافقوا غَيْضًا من فَيْض. وإذا لقيتم القوم أو أحدًا منهم فابدؤوهم الشدّ والضرب، وإيَّاكم والمناظرة لجموعهم ولا يخدعُنَّكم؛ فإنهم خَدَعة مكَرة؛ أمرُهم غير أمركم؛ إلا أن تجادّوهم، وإذا انتهيت إلى القادسيَّة - والقادسيَّة باب فارس في الجاهليَّة، وهي أجمع تلك الأبواب لمادّتهم، ولما يريدونه من تلك الآصُل، وهو منزل رغيب خصيب حصين دونه قناطر، وأنهار ممتنعة - فتكون مسالحك على أنقابها، ويكون الناس بين الحَجَر والمَدَر على حافّاث الحجَر وحافّات المدر، والجِراع بينهما؛ ثم الزم مكانك فلا تبرحْه؛ فإنهم إذا أحسُّوك؛ أنغضتَهم، ورَموْك بجمعهم الذي يأتي على خيلهم ورجْلهم وحدّهم وجِدّهم؛ فإن أنتم صبرتم لعدوّكم واحتسبتم لقتاله ونويتم