الذي كان يتراءَى لنا على البُروج وهو بين الشُّرَف مكيدة، ثم انطلق بخبرنا، فطلبناه فأعجزنا، وسمع بذلك زُهرة فاتَّبعنَا، فلحق بنا وخَلفَنا واتّبعه. وقال: إن أفلت الرَّبيءُ أتاهم الخبر. فلحقه بالخندق فطعنه فجدّ له فيه، وكان أهل القادسيَّة يتعجّبون من شجاعة ذلك الرّجل، ومن علمه بالحرب، لم يُرَ عين قوم قطُّ أثبتَ ولا أربط جأشًا من ذلك الفارسيّ، لولا بُعْدُ غايته لم يلحق به، ولم يُصبه زُهرة، ووجد المسلمون في العُذَيب رماحًا ونُشَّابًا وأسفاطًا من جلود وغيرها، انتفع بها المسلمون. ثم بثّ الغارات، وسرّحهم في جوف الليل، وأمرهم بالغارة على الحيرة، وأمَّر عليهم بُكَيْر بن عبد الله الليثيّ - وكان فيها الشماخ الشاعر القيسيِّ في ثلاثين معروفين بالنَّجدة والبأس - فسرَوْا حتَّى جازوا السَّيْلحين، وقطعوا جِسرها يريدون الحيرة، فسمعوا جَلَبة وأزْفَلة، فأحجموا عن الإقدام، وأقاموا كمينًا حتى يتَبيَّنوا، فما زالوا كذلك حتى جازُوا بهم، فإذا خيول تقدُم تلك الغَوْغاء، فتركوها فنفذت الطريق إلى الصِّنَينِ، وإذا هم لم يشعروا بهم؛ وإنما ينتظرون ذلك العَيْن لا يريدونهم، ولا يأبهون لهم، إنَّما همَّتُهم الصّنّين؛ وإذا أخت آزاذ مَرْدَ بن آزاذ به مَرْزُبان الحيرة تُزَفُّ إلى صاحب الصّنّين - وكان من أشراف العجَم - فسار معها من يبلّغها مخافة ما هو دون الذي لقوا؛ فلمّا انقطعت الخيل عن الزوافّ، والمسلمون كمينٌ في النخل، وجازت بهم الأثقال، حمل بُكَيْر على شيرزاذ بن آزاذ به، وهو بينها وبين الخيل، فقصَم صُلْبَه، وطارت الخيل على وجوهها، وأخذوا الأثقال وابنة آزاذبه في ثلاثين امرأة من الدّهاقين ومئة من التوابع، ومعهم ما لا يُدرَى قيمته، ثم عاج واستاق ذلك، فصبَّح سعدًا بعُذَيْب الهجَانات بما أفاء الله على المسلمين، فكبَّروا تكبيرة شديدة. فقال سعد: أقسم بالله لقد كبَّرتم تكبيرة قوم عرفتُ فيهم العزّ! فقسم ذلك سعد على المسلمين فالخمس نفله، وأعطى المجاهدين بقيَّته، فوقع منهم موقعًا، ووضع سعد بالعُذَيب خيلًا تَحُوط الحريم، وانضمّ إليها حاطة كلّ حريم، وأمَّر عليهم غالبَ بن عبد الله الليثيّ، ونزل سعد القادسيَّة، فنزل بقُدَيْس، ونزل زُهرة بحيال قنطرة العتيق في موضع القادسيَّة اليوم؛ وبعث بخبر سرّية بُكير، وبنزوله قُديسًا، فأقام بها شهرًا، ثم كتب إلى عمر: لم يوجّه القوم إلينا أحدًا، ولم يُسْنِدوا حربًا إلى أحد علمناه، ومتى ما يبلغنا ذلك نكتب به؛ واسنصر الله، فإنَّا بمنحاة دنيا عريضة؛ دونها بأس شديد؛ قد تقدّم إلينا في