وبعث سعد في مقامه ذلك إلى أسفل الفُرات عاصم بن عمرو فسار حتَّى أتى مَيْسان، فطلب غنمًا أو بقرًا فلم يقدر عليها، وتحصّن منه مَن في الأفدان، ووغَلُوا في الآجام، ووَغَل حتَّى أصاب رجلًا على طَفّ أجمَة، فسأله واستدلَّه على البقر والغنم، فحلف له وقال: لا أعلم؛ وإذَا هو راعي ما في تلك الأجمة، فصاح منها ثور؛ كذب والله! وها نحن أولاء! فدخل فاستاق الثّيران وأتى بها العسكر، فقسم ذلك سعد على الناس فأخصبوا أيامًا؛ وبلغ ذلك الحجَّاج في زمانه، فأرسل إلى نفر ممَّن شهدها أحدهم نذير بن عمرو والوليد بن عبد شمس وزاهر، فسألهم فقالوا: نعم، نحن سمعنا ذلك، ورأيناه واستقناها، فقال: كذبتم! فقالوا: كذلك؛ إن كنت شهدتها وغبْنا عنها! فقال: صدقتم، فما كان الناس يقولون في ذلك؟ قالوا: آيةُ تبشير يُستدلّ بها على رضا الله، وفتح عدوّنا؛ فقال: والله ما يكون هذا إلا والجمع أبرار أتقياء، قالوا: والله ما ندري ما أجنَّت قلوبُهم؛ فأمَّا ما رأينا فإنَّا لم نرَ قومًا قطُّ أزهدَ في دنيا منهم، ولا أشدَّ لها بُغْضًا؛ ما اعتُدَّ على رجل منهم في ذلك اليوم بواحدة من ثلاث؛ لا بجُبْن ولا بغدر ولا بغُلُول. وكان هذا اليوم يوم الأباقِر؛ وبثّ الغارات بين كَسْكَر والأنبار، فحوَوْا من الأطعمة ما كانوا يستكفون به زمانًا، وبعث سعد عيونًا إلى أهل الحيرة وإلى صَلُوبا، ليعلَموا له خبر أهل فارس؛ فرجعوا إليه بالخبر؛ بأن الملك قد ولَّى رُستم بن الفَرّخزاذ الأرْمَنّي حرْبَه، وأمره بالعسكرة. فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: لا يكرُبنَّك ما يأتيك عنهم، ولا ما يأتونك به؛ واستعن بالله وتوكَّل عليه، وابعث إليه رجالًا من أهل المنظَرة والرأي والجلَد يدعونه، فإنّ الله جاعل دعاءهم توهينًا لهم، وفَلْجًا عليهم؛ واكتب إليَّ في كلِّ يوم. ولمَّا عسكر رُسْتم بساباط كتبوا بذلك إلى عمر (١). (٣: ٤٩٣/ ٣٩٤/ ٤٩٥).
٢٥١ - كتب إليَّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن عمرو والمجالد بإسنادهما، وسعيد بن المرزُبان: أن سعد بن أبي وقَّاص حين جاءه أمرُ عمر فيهم، جمع نفرًا عليهم نِجار، ولهم آراء، ونفرًا لهم منظر؛ وعليهم مهابة ولهم