يُشِرف منه عليهم؛ فلما وقف على القنطرة؛ راسل زُهرة، فخرج إليه حتى واقفه، فأراده أن يصالحهم، ويجعل له جُعْلًا على أن ينصرفوا عنه، وجعل يقول فيما يقول: أنتم جيراننا وقد كان طائفة منكم في سلطاننا؛ فكنّا نُحسن جِوارهم، ونكفّ الأذى عنهم، ونولِّيهم المرافق الكثيرة، نحفظهم في أهل باديتهم؛ فنُرعيهم مَراعينا، ونميرهم من بلادنا، ولا نمنعهم من التجارة في شيء من أرضنا؛ وقد كان لهم في ذلك معاشٌ - يعرّض لهم بالصّلح؛ وإنما يخبره بصنيعهم، والصلح يريد ولا يصرّح - فقال له زهرة: صدقتَ، قد كان ما تذكر؛ وليس أمرُنا أمرَ أولئك ولا طلبتنا. إنَّا لم نأتكم لطلَب الدُّنيا؛ إنما طلبتنا وهمَّتنا الآخرة؛ كنّا كما ذكرت، يدين لكم من ورد عليكم منَّا، ويضرع إليكم يطلب ما في أيديكم. ثم بعث الله تبارك وتعالى إلينا رسولًا، فدعانا إلى ربِّه، فأجبناه، فقال لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -: إنِّي قد سلَّطت هذه الطائفة عَلَى من لم يَدِن بديني، فأنا منتقم بهم منهم؛ وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرّين به، وهو دين الحقّ، لا يرغب عنه أحد إلا ذلّ، ولا يعتصم به أحَد إلّا عزّ. فقال له رستم: وما هو؟ قال: أمَّا عموده الَّذي لا يصلح منه شيء إلّا به، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، والإقرار بما جاء من عند الله تعالى. قال: ما أحسن هذا! وأيّ شيء أيضًا؟ قال: وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله تعالى. قال: حسن، وأيّ شيء أيضًا؟ قال: والنَّاس بنو آدم وحَوَّاء، إخوة لأب وأمّ، قال: ما أحسن هذا! ثمّ قال له رستم: أرأيت لو أني رضيت بهذا الأمر وأجبتكم إليه؛ ومعي قومي كيف يكون أمركم! أترجعون؟ قال: إي والله! ثم لا نقرب بلادكم أبدًا إلّا في تجارة أو حاجة. قال: صدقتني والله! أمَا إنّ أهل فارس منذ ولي أردشير لم يدَعُوا أحدًا يخرج من عمله من السّفلة، كانوا يقولون إذا خرجوا من أعمالهم: تعدَّوا طَوْرهم. وعادَوْا أشرافهم. فقال له زُهرة: نحن خيرُ النَّاس للنَّاس، فلا نستطيع أن نكون كما تقولون؛ نطيع الله في السّفلة، ولا يضرّنا مَنْ عصى الله فينا. فانصرف عنه، ودعا رجال فارس فذاكرهم هذا. فَحمُوا من ذلك، وأنفوا، فقال: أبعَدَكم الله وأسحقكم! أخزى الله أخْرَعنا وأجبنَنا! فلمَّا انصرف رستم ملتُ إلى زُهرة، فكان إسلامي؛ وكنت له عديدًا. وفرض لي فرائض أهل القادسيَّة (١). (٣: ٥١٧/ ٥١٨).