الكتاب الثاني بعد الفتح- مع نذير بن عمرو. ولمَّا أتى عمَر الفتح قام في النَّاس فقرأ عليهم الفتح، وقال: إني حريص على ألّا أدَعَ حاجة إلّا سددتها ما اتَّسع بعضنا لبعض، فإذا عجز ذلك عنَّا تآسينا في عيشنا حتى نستوِيَ في الكفَاف، ولوددت أنَّكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم، ولستُ معلِّمكم إلّا بالعمل؛ إني والله ما أنا بملكٍ فأستعبدكم، وإنَّما أنا عبدُ الله عَرَضَ عليّ الأمانة، فإن أبيتُها ورددتها عليكم واتَّبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم، وتروَوْا؛ سعدتُ، وإن أنا حملتها، واستتبعتُها إلى بيتي؛ شقيت؛ ففرِحتُ قليلًا، وحزِنت طويلًا، وبقيت لا أقال، ولا أرَدّ فأستعتب.
قالوا: وكتبوا إلى عمر مع أنس بن الحُليس: إنَّ أقوامًا من أهل السَّواد ادّعوا عهودًا، ولم يُقِمْ على عهد أهل الأيام لنا، ولم يفِ به أحد علمناه إلّا أهل بانقيا وبَسْما وأهل ألَّيْس الآخرة، وادّعى أهل السَّواد: أنَّ فارس أكرهوهم، وحشروهم؛ فلم يخالفوا إلينا، ولم يذهبوا في الأرض.
وكتب مع أبي الهيّاج الأسديّ -يعني: ابن مالك-: إنّ أهلَ السَّواد جلوا، فجاءنا مَن أمسك بعهده، ولم يُجلب علينا؛ فتمّمنا لهم ما كان بين المسلمين قبلنا وبينهم؛ وزعموا: أنّ أهلَ السَّواد قد لحقوا بالمدائن، فأحدِث إلينا فيمن تمَّ، وفيمن جلا، وفيمن ادّعى: أنه استكرِه، وحشر، فهرب، ولم يقاتل، أو استسلم، فإنَّا بأرض رغيبة، والأرض خلاء من أهلها، وعددنا قليل، وقد كثر أهل صُلحنا، وإنّ أعمرَ لنا وأوهن لعدوّنا تألُّفُهم. فقام عمر في الناس فقال: إنَّه مَن يعمل بالهوى والمعصية؛ يسقط حظُّه، ولا يضرّ إلا نفسه، ومَنْ يتَّبع السُّنَّة وينته إلى الشرائع، ويلزم السبيل النَّهْج ابتغاء ما عند الله لأهل الطاعة؛ أصاب أمره، وظفر بحظّهِ، وذلك بأنَّ الله عزّ وجلّ يقول:{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وقد ظفر أهل الأيّام والقوادس بما يليهم، وجلا أهله، وأتاهم مَنْ أقام على عهدهم، فما رأيكم فيمن زعم أنه استُكرِه وحُشر، وفيمن لم يدّع ذلك ولم يُقِم وجَلا، وفيمن أقام ولم يدّع شيئًا، ولم يَجْلُ، وفيمن استسلم. فأجمعوا على أنّ الوفاء لمن أقام وكفّ لم يزده غَلبُه إلا خيرًا، وأن من ادّعى فصُدِّق أو وفى فبمنزلتهم، وإن كذِّب نُبذ إليهم وأعادوا صلحهم؛ وأن يُجعل أمر مَنْ جلا إليهم، فإن شاؤوا وادعوهم وكانوا لهم ذمَّة، وإن شاؤوا تمّوا على