للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منعِهم من أرضهم ولم يُعطوهم إلّا القتال؛ وأن يخيِّروا مَن أقام واستسلم: الجِزاء، أو الجَلاء، وكذلك الفلّاح.

وكتب جواب كتاب أنس بن الحُليس: أمَّا بعدُ؛ فإنَّ الله جل وعلا أنزل في كلّ شيء رُخْصة في بعض الحالات إلّا في أمرين: العدلِ في السِّيرة والذّكر؛ فأمَّا الذّكر فلا رخصة فيه في حاح.

لهّ، ولم يرضَ منه إلَّا بالكثير، وأمَّا العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد، ولا في شدّة ولا رخاء، والعدل -وإن رُئيَ ليِّنًا- فهو أقوى وأطفأ للجور، وأقمَع للباطل من الجوْر، وإن رُئي شديدًا فهو أنكشُ للكفر؛ فمن تَمّ على عهده من أهلِ السَّواد، ولم يُعِنْ عليكم بشيء؛ فلهم الذمّة، وعليهم الجِزْية؛ وأمَّا مَن ادّعى أنه استكرِه ممن لم يخالِفْهم إليكم أو يذهب في الأرض؛ فلا تصدّقوهم بما ادّعوْا من ذلك إلّا أن تشاؤوا؛ وإن لم تشاؤوا؛ فانبذوا إليهم، وأبلغوهم مأمنَهم.

وأجابهم في كتاب أبي الهيَّاجِ: أمَّا من أقام ولم يَجْلُ وليس له عهد فلهم ما لأهل العهد بمقامهم لكم، وكفهم عنكم إجابة، وكذلك الفلّاحون إذا فعلوا ذلك؛ وكلّ من ادّعى ذلك فصُدّق فلهم الذمَّة؛ وإن كذّبوا؛ نُبذ إليهم؛ وأمَّا مَنْ أعان وجلا؛ فذلك أمرٌ جعله الله لكم؛ فإن شئتم فادعُوهم إلى أن يقيموا لكم في أرضهم، ولهم الذِّمَّة، وعليهم الجِزية؛ وإن كرهوا ذلك، فاقسموا ما أفاء الله عليكم منهم.

فلمّا قدمتْ كتُب عمر على سعد بن مالك والمسلمين؛ عرضوا على مَن يليهم مِمَّنْ جلا وتنحّى عن السواد أن يتراجعوا، ولهم الذمَّة وعليهم الجزية، فتراجعوا وصاروا ذمَّة كمن تمّ ولزم عهدَه؛ إلَّا أن خراجهم أثقل؛ فأنزلوا من ادّعى الاستكراه وهرب منزلتَهم، وعقدوا لهم، وأنزلوا مَن أقام منزلة ذي العهد وكذلك الفلّاحين، ولم يُدخلوا في الصلح ما كان لآل كسرى، ولا ما كان لمن خرج معهم، ولم يُجبهم إلى واحدة من اثنتين: الإسلام، أو الجِزاء، فصارت فيئًا لمن أفاء الله عليه؛ فهي والصوافي الأولى ملك لمن أفاء الله عليه، وسائر السواد ذمَّة وأخذوهم بخراج كسرى، وكان خراج كسرى على رؤوس الرّجال على ما في أيديهم من الحصّة والأموال، وكان مما أفاء الله عليهم ما كان لآل كسرى، ومن صوّب معهم وعيالُ من قاتل معهم وماله، وما كان لبيوت النيران

<<  <  ج: ص:  >  >>