في ذلك؛ أقبل المدد مِن قِبَل غالب وكُليب، وأتى الهرمزانَ الخبرُ بأنّ مَنَاذر، ونهر تيرَى قد أخذتا، فكسر الله في ذرْعه وذَرْع جنده، وهزمه وإيّاهم، فقتلوا منهم ما شاؤوا، وأصابوا منهم ما شاؤوا، وأتبعوهم حتى وقفوا على شاطئ دُجَيل، وأخذوا ما دونه، وعسكروا بحيال سوق الأهواز، وقد عبر الهُرْمزان جسرَ سوق الأهواز، وأقام بها، وصار دُجَيل بين الهُرْمزان، وحَرْملة، وسُلْمَى، ونُعيم، ونُعَيم، وغالب، وكليب.
قالوا: ولما دهم القوم الهرمزان، ونزلوا بحياله من الأهواز؛ رأى ما لا طاقة له به، فطلب الصلح، فكتبوا إلى عُتْبة بذلك يستأمرونه فيه، وكاتبه الهرمزان، فأجاب عُتْبة إلى ذلك على الأهواز كلّها، ومِهْرَجان قَذَق، ما خلا نهر تيرى ومَناذر، وما غلبوا عليه من سوق الأهواز، فإنه لا يُردّ عليهم ما تنقّذنا، وجعل سُلمى بن القيْن على منَاذر مسلحةً، وأمْرَها إلى غالب، وحرملة على نهر تيرَى وأمرَها إلى كليب؛ فكانا على مسالح البصرة وقد هاجرت طوائف بني العَمِ، فنزلوا منازلهم من البصرة، وجعلوا يتتابعون على ذلك، وقد كتب بذلك عُتْبة إلى عمر، ووفّد وفْدًا، منهم سُلمى، وأمرَه أن يستخلف على عمله، وحرملةُ -وكانا من الصحابة- وغالب، وكليب، ووفَد وفود من البصرة يومئذ، فأمرهم أن يرفعوا حوائجهم، فكلُّهم قال: أما العامّة فأنت صاحبها، ولم يبق إلا خواصّ أنفسنا، فطلبوا لأنفسهم، إلّا ما كان من الأحنف بن قيس، فإنه قال: يا أميرَ المؤمنين! إنك لكما ذكروا، ولقد يعزب عنك ما يحقّ علينا إنهاؤه إليك مما فيه صلاح العامّة، وإنّما ينظر الوالي فيما غاب عنه بأعين أهل الخبر، ويسمع بآذانهم، وإنّا لم نزل ننزل منزلًا بعد منزل حتى أرَزنا إلى البرّ، وإنّ إخواننا من أهل الكوفة نزلوا في مثل حَدَقة البعير الغاسقة من العيون العذاب، والجنان الخصاب، فتأتيهم ثمارهم ولم تُخْضَد، وإنّا معشرَ أهل البصرة نزلنا سبَخة هَشّاشة، زعِقة نشّاشة، طَرَف لها في الفلاة، وطَرَف لها في البحر الأُجاج، يجري إليها ما جرى في مثل مَرِيء النعامة. دارنا فعْمة، ووظيفتنا ضيّقة، وعددنا كثير، وأشرافنا قليل، وأهل البلاء فينا كثير، ودرهمنا كبير، وقفيزنا صغير؛ وقد وسّع الله علينا، وزادنا في أرضنا، فوسِّعْ علينا يا أمير المؤمنين! وزدنا وظيفة تُوَظَّف علينا، ونعيش بها. فنظر إلى منازلهم التي كانوا بها إلى أن