المقترب؛ وكان زِرّ قد وفَد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: فنيَ بطني، وكثر إخوتُنا، فادعُ الله لنا، فقال: اللهمّ أوف لزرّ عُمْرَه، فتحوّل إليهم العدد -وأوفد أبو سَبْرة وفدًا؛ فيهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس، وأرسل الهُرمزان معهم، فقدِموا مع أبي موسى البصرة، ثم خرجوا نحو المدينة؛ حتى إذا دخلوا هيّؤوا الهرمزان في هيئته، فألبسوه كُسوته من الدّيباج الذي فيه الذهب، ووضعوا على رأسه تاجًا يدعى الآذين، مكلّلًا بالياقوت، وعليه حِلْيته، كيما يراه عمر والمسلمون في هيئته، ثم خرجوا به على الناس يريدون عمر في منزله فلم يجدوه، فسألوا عنه، فقيل لهم: جلس في المسجد لوفد قدموا عليه من الكوفة، فانطلقوا يطلبونه في المسجد، فلم يروْه، فلما انصرفوا مرّوا بغلمان من أهل المدينة يلعبون، فقالوا لهم: ما تلدّدكم! ؟ تريدون أميرَ المؤمنين؟ فإنّه نائم في ميمنة المسجد، متوسد برنسه -وكان عمر قد جلس لوفْد أهل الكوفة في بُرنس، فلمّا فرغ من كلامهم وارتفعوا عنه، وأخلَوْه نزع بُرنسه ثم توسّده فنام- فانطلقوا ومعهم النظّارة، حتى إذا رأوْه جلسوا دونه، وليس في المسجد نائم ولا يقظان غيره، والدِّرَة في يده معلّقة، فقال الهرمزان: أين عمر؟ فقالوا: هو ذا؛ وجعل الوفد يشيرون إلى الناس أن اسكتوا عنه؛ وأصغى الهرمزان إلى الوفد، فقال: أين حرسُه وحجّابه عنه؟ قالوا: ليس له حارس ولا حاجب، ولا كاتب ولا ديوان، قال: فينبغي له أن يكون نبيًّا، فقالوا: بل يعمل عمل الأنبياء. وكثر الناس؛ فاستيقظ عمر بالجلَبَة، فاستوى جالسًا، ثم نظر إلى الهرمزان، فقال: الهرمزان؟ قالوا: نعم، فتأمّله، وتأمّل ما عليه، وقال: أعوذ بالله من النار، وأستعين الله! وقال: الحمد لله الذي أذلّ بالإسلام هذا وأشياعه؛ يا معشر المسلمين! تمسَّكوا بهذا الدين، واهتدوا بهُدَى نبيّكم، ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غرّارة، فقال الوفد: هذا ملك الأهواز، فكلّمه، فقال: لا، حتى لا يبقى عليه من حِلْيته شيء، فرُمي عنه بكلّ شيء عليه إلا شيئًا يستره، وألبسوه ثوبًا صفيقًا، فقال عمر: هِيهِ يا هرمزان! كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله! فقال: يا عمر! إنا وإيّاكم في الجاهليّة كان الله قد خلّى بيننا وبينكم، فغلبناكم إذْ لم يكن معنا ولا معكم، فلمّا كان معكم غلبتمونا. فقال عمر: إنما غلبتمونا في الجاهليّة باجتماعكم وتفرّقنا. ثم قال عمر: ما عُذرك وما حجّتك في انتقاضك مرّة بعد مرّة؟ فقال: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك، قال: لا تخف ذلك.