ولا واردة. شهد الزبير وعبد الله، ومحمد ابناه. وكتب وردانُ، وحضر.
فدخل في ذلك أهلُ مصر كلّهم، وقبِلوا الصلح، واجتمعت الخيول، فمصّر عمرو الفسطاط، ونزله المسلمون، وظهر أبو مريم، وأبو مريام، فكلّما عمرًا في السبايا التي أصيبت بعد المعركة، فقال: أوَلهم عَهْد وعقد؟ ألم نحالفكما ويُغار علينا من يومكما؟ ! وطردهما، فرجعا وهما يقولان: كل شيء أصبتموه إلى أن نرجِعَ إليكم ففي ذمّةٍ منكم، فقال لهما: أتغيرون علينا وهم في ذمة؟ قالا: نعم، وقسم عمرو ذلك السبيَ على الناس، وتوزّعوه، ووقع في بُلدان العرب، وقدم البشير على عمر بعدُ بالأخماس، وبعث الوفود فسألهم عمر، فما زالوا يُخبرونه حتى مرُّوا بحديث الجاثَليق وصاحبه، فقال: ألا أراهما يبصران وأنتم تجاهلون ولا تُبصرون! مَن قاتلكم فلا أمان له، ومَن لم يقاتلكم فأصابه منكم شيء من أهل القرى فله الأمان في الأيام الخمسة حتى تنصرم، وبعث في الآفاق حتى رُدّ ذلك السَّبْي الذي سبوا ممن لم يقاتل في الأيام الخمسة إلّا مَن قاتل بعدُ، فترادُّوهم إلّا ما كان من ذلك الضّرب، وحضرت القِبْط باب عمرو، وبلغ عمرًا أنهم يقولون: ما أرثّ العرب وأهون عليهم أنفسهم! ما رأينا مثلنا دان لهم! فخاف أن يستثيرهم ذلك من أمرهم، فأمر بجُزر فذبِحت، فطبخت بالماء والملح، وأمر أمراء الأجناد أن يحضُروا، وأعلموا أصحابهم، وجلس وأذّن لأهل مصر، وجيء باللحم والمرق فطافوا به على المسلمين؛ فأكلوا أكلًا عربيًّا، انتشلوا وحَسوْا وهم في العَباء ولا سلاح، فافترق أهل مصر وقد ازدادوا طمعًا وجرأة، وبعث في أمراء الجنود في الحضور بأصحابهم من الغد؛ وأمرهم أن يجيئوا في ثياب أهل مصر وأحذيتهم، وأمرهم أن يأخذوا أصحابهم بذلك ففعلوا، وأذن لأهل مصر؛ فرأوْا شيئًا غير ما رأوا بالأمس، وقام عليهم القوّام بألوان مصر، فأكلوا أكل أهل مصر، ونحوْا نحوهم، فافترقوا وقد ارتابوا، وقالوا: كدنا. وبعث إليهم أن تسلّحوا للعرْض غدًا، وغدا على العَرْض، وأذن لهم فعرضهم عليهم. ثم قال: إني قد علمت أنكم رأيتم في أنفسكم أنكم في شيء حين رأيتم اقتصاد العرب وهَوْن تزجيتهم، فخشيت أن تهلكوا فأحببت أن أريَكم حالهم، وكيف كانت في أرضهم، ثم حالهم في أرضكم، ثم حالهم في الحرْب، فظفروا بكم، وذلك عيشهم، وقد كلبوا على بلادكم قبل أن ينالُوا منها ما رأيتم في اليوم الثاني، فأحببت أن تعلَموا أنّ من رأيتم في اليوم الثالث غيرُ