والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب، فحصبهما سعد، وأقامهما، وقال: تريدان أن تقولا: حضرنا وكنّا في أهل الشورى! فتنافس القوم في الأمر؛ وكثر بينهم الكلام؛ فقال أبو طلحة: أنا كنت لأنْ تدفعوها أخوفَ منِّي لأن تَنافسوها! لا والذي ذهب بنفس عمر؛ لا أزيدكم على الأيّام الثلاثة التي أمرتم، ثم أجلس في بيتي؛ فأنظر ما تصنعون! فقال عبد الرحمن: أيُّكم يخرج منها نفسه، ويتقلدها على أن يوليها أفضلَكم؟ فلم يجبه أحد، فقال: فأنا أنخلع منها؛ فقال عثمان: أنا أوّل من رضي، فإنّي سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أمين في الأرض أمين في السماء"، فقال القوم: قد رضينا - وعليّ ساكت - فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أعطني موثِقًا لتؤثرنّ الحقّ ولا تتّبع الهوى، ولا تخصّ ذا رحم، ولا تألوا الأمة! فقال: أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي على مَنْ بدّل وغيّر، وأن ترضوا من اخترت لكم، عليّ ميثاق الله ألّا أخصّ ذا رحِم لرحمه، ولا آلو المسلمين. فأخذ منهم ميثاقًا، وأعطاهم مثله، فقال لعليّ: إنك تقول: إني أحقُّ من حضر بالأمر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدّين؛ ولم تبعد؛ ولكن أرأيت لو صرِف هذا الأمر عنك فلم تحضر، من كنت ترى من هؤلاء الرّهط أحقّ بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان؛ فقال: تقول: شيخ من بني عبد مناف؛ وصهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه، لي سابقة وفَضْل - لم تبعد - فلن يصرف هذا الأمر عني، ولكن لو لم تحضر فأيّ هؤلاء الرهط تراه أحقّ به؟ قال: عليّ. ثم خلا بالزّبير، فكلمه بمثل ما كلم به عليًّا وعثمان؛ فقال: عثمان. ثم خَلا بسعد، فكلمه، فقال: عثمان. فلقي عليّ سعدًا، فقال:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، أسألك برحمِ ابني هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبرحم عمّي حمزة منك ألّا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرًا عليّ؛ فإني أدْلي بما لا يُدْلي به عثمان. ودار عبد الرحمن لياليَه يلقى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومَن وافَى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس، يشاورهم، ولا يخلُو برجل إلا أمره بعثمان؛ حتى إذا كانت الليلة التي يُسْتكمَل في صبيحتها الأجلُ، أتى منزل المِسْوَر بن مخرمة بعد ابهرار من الليل؛ فأيقظه فقال: ألا أراك نائمًا ولم أذق في هذه الليلة كثير غَمْض! انطلق فادعُ الزبير وسعدًا.
فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصُّفَّة التي تلي دارَ مروان، فقال