بني مخزوم: لقد عدوتَ طورَك يا بن سميّة! وما أنت وتأمير قريش لأنفسها! فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن! افرغ قبل أن يفتتن الناس، فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت، فلا تجعلُنَّ أيها الرهط على أنفسكم سبيلًا. ودعا عليًّا، فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعْمَلنّ بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده؟ قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي؛ ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعليّ، قال: نعم، فبايعه، فقال عليّ: حبوتَه حَبْوَ دهر؛ ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا؛ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون! والله ما ولّيتَ عثمان إلا ليردّ الأمر إليك؛ والله كلّ يوم هو في شأن؛ فقال عبد الرحمن: يا عليّ! لا تجعل على نفسك سبيلًا؛ فإني قد نظرت وشاورتُ الناس؛ فإذا هم لا يعدلون بعثمان. فخرج عليّ وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله. فقال المقداد: يا عبد الرحمن! أما والله لقد تركتَه من الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون. فقال: يا مقداد! والله لقد اجتهدتُ للمسلمين؛ قال: إن كنتَ أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين. فقال المقداد: ما رأيتُ مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم. إني لأعجب من قريش: أنّهم تركوا رجلًا ما أقول إنّ أحدًا أعلم ولا أقضى منه بالعدل؛ أما والله لو أجد عليه أعوانًا! فقال عبد الرحمن: يا مقداد! اتق الله؛ فإني خائف عليك الفتنة! فقال رجل للمقداد: رحمك الله! مَن أهل هذا البيت، ومَن هذا الرجل؟ قال: أهل البيت بنو عبد المطلب، والرجل عليّ بن أبي طالب. فقال عليّ: إنّ الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر إلى بيتها، فتقول: إن وُليَ عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبدًا، وما كانت في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم. وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان، فقيل له: بايع عثمان، فقال: أكلّ قريش راضٍ به؟ قال: نعم، فأتى عثمانَ فقال له عثمان: أنت على رأس أمرك، إن أبيتَ رددتُها، قال: أتردّها؟ قال: نعم؛ قال: أكلّ الناس بايعوك؟ قال: نعم، قال: قد رضيتُ؛ لا أرغب عمّا قد أجمعوا عليه، وبايعه.
وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن: يا أبا محمد! قد أصبتَ إذ بايعتَ عثمان! وقال لعثمان: لو بايع عبد الرحمن غيرَك ما رضينا، فقال عبد الرحمن: كذبت يا أعور! لو بايعتُ غيره لبايعتَه، ولقلتَ هذه المقالة.