للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمدًا منّا نبيًّا، وبعثه إلينا رسولًا، فنحن بيت النبوّة، ومعدن الحكمة؛ وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حقّ إن نعطَه نأخذه؛ وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السُّرَى؛ لو عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهدًا؛ لأنفذنا عهده، ولو قال لنا قولًا؛ لجادلنا عليه؛ حتى نموت. لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقّ وصِلة رحم، ولا حول ولا قوة إلا بالله اسمعوا كلامي، وعوا منطقي؛ عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا المجمع تُنتضَى فيه السيوف، وتُخان فيه العهود؛ حتى تكونوا جماعة، ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة، وشيعةً لأهل الجهالة، ثم أنشأ يقول:

فإن تكُ جاسمٌ هَلَكَتْ فإنِّي ... بما فعلتْ بنو عبدِ بنِ ضخْمِ

مُطيعٌ في الهواجِرِ كلّ عَيّ ... بصيرٌ بالنَّوَى من كلِّ نَجْم

فقال عبد الرحمن: أيكم يطيب نفسًا أن يخرج نفسه من هذا الأمر، ويولّيه غيرَه؟ قال: فأمسَكوا عنه، قال: فإني أخرج نفسي، وابنَ عمّي، فقلده القوم الأمر، وأحلفهم عند المنبر؛ فحلفوا ليبايعُنّ مَن بايع، وإن بايع بإحدى يديه الأخرى! فأقام ثلاثًا في داره التي عند المسجد التي يقال لها اليوم رحبة القضاء - وبذلك سمّيت رَحْبة القضاء - فأقام ثلاثًا يصلِّي بالناس صهيب.

قال: وبعث عبد الرحمن إلى عليّ، فقال له: إن لم أبايعك فأشر عليّ؛ فقال: عثمان. ثم بعث إلى عثمان، فقال: إن لم أبايعك، فمن تشير عليّ؟ قال: عليّ. ثم قال لهما: انصرفا. فدعا الزبير، فقال: إن لم أبايعك؛ فمن تشير عليّ، قال: عثمان، ثم دعا سعدًا، فقال: مَنْ تشير عليّ؟ فأمّا أنا وأنت فلا نريدها، فمن تشير عليّ؟ قال: عثمان. فلمَّا كانت الليلة الثالثة، قال: يا مِسْوَر! قلت: لبّيك، قال: إنك لنائم؛ والله ما اكتحلت بغَماض منذ ثلاث. اذهب فادعُ لي عليًّا، وعثمان. قال: قلت: يا خال! بأيّهما أبدأ؟ قال: بأيّهما شئت، قال: فخرجت فأتيت عليًّا - وكان هواي فيه - فقلت: أجب خالي، فقال: بعثك معي إلى غيري؟ قلت: نعم؛ قال: إلى من؟ قلت: إلى عثمان، قال: فأيّنا أمرك أن تبدأ به؟ قلت: قد سألته فقال: بأيّهما شئت، فبدأت بك، وكان هواي فيك. قال: فخرج معي حتى أتينا المقاعد، فجلس عليها عليّ، ودخلت على عثمان فوجدته يوتر مع الفجر، فقلت: أجب خالي، فقال: بعثك

<<  <  ج: ص:  >  >>