معي إلى غيري؟ قلت: نعم، إلى عليّ، قال: بأيّنا أمرك أن تبدأ؟ قلت: سألته فقال: بأيّهما شئت؛ وهذا عليّ على المقاعد، فخرج معي حتى دخلنا جميعًا على خالي وهو في القبلة قائم يصلّي، فانصرف لمَّا رآنا، ثم التفت إلى عليّ، وعثمان، فقال: إنّي قد سألت عنكما وعن غيركما، فلم أجد الناس يعدلون بكما؛ هل أنت يا عليّ مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ فقال: اللهمّ لا, ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي. فالتفت إلى عثمان، فقلت: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهمّ نعم، فأشار بيده إلى كتفيه، وقال: إذا شئتما! فنهضنا حتى دخلنا المسجد، وصاح صائح: الصلاة جامعة - قال عثمان: فتأخّرت والله حياء لما رأيت من إسراعه إلى عليّ؛ فكنت في آخر المسجد - قال: وخرج عبد الرحمن بن عوف وعليه عمامته التي عمَّمه بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، متقلّدًا سيفه؛ حتى ركِب المنبر، فوقف وقوفًا طويلًا، ثم دعا بما لم يسمعه الناس.
ثم تكلّم، فقال: أيّها الناس! إني قد سألتكم سرًّا وجهرًا عن إمامكم؛ فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين، إما عليّ، وإما عثمان؛ فقم إليّ يا عليّ، فقام إليه عليّ، فوقف تحت المنبر؛ فأخذ عبد الرحمن بيده، فقال: هل أنتَ مبايعي على كتاب الله وسنة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهم لا؛ ولكن على جَهدي من ذلك وطاقتي؛ قال: فأرسل يده ثم نادَى: قم إليّ يا عثمان؛ فأخذ بيده - وهو في موقف عليّ الذي كان فيه - فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه وفعل أبي بكر وعمر؟ قال: اللهمّ نعم؛ قال: فرفع رأسه إلى سقف المسجد، ويده في يد عثمان، ثم قال: اللهمّ اسمع واشهد؛ اللهمّ إنِّي قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان. قال: وازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غَشُوه عند المنبر، فقعد عبد الرحمن مقعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من المنبر، وأقعد عثمان على الدرجة الثانية، فجعل الناس يبايعونه، وتلكّأ عليّ، فقال عبد الرحمن:{فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}؛ فرجع عليّ يشقّ الناس؛ حتى بايع وهو يقول: خدعة وأيَّما خدعة!
قال عبد العزيز: وإنما سبب قول علي: "خدعة"؛ أن عمرو بن العاص كان قد لقي عليًّا في ليالي الشورى، فقال: إن عبد الرحمن رجل مجتهد، وإنّه متى