بها السريّ، يذكر: أن شعيبًا حدّثه عن سيف، عن عطيّة، عن يزيد الفقعسيّ، قال: لما ورد ابنُ السوداء الشأم لقي أبا ذرّ، فقال: يا أبا ذَرّ! ألا تعجب إلى معاوية، يقول: المال مال الله! ألا إنّ كلّ شيء لله كأنه يريد أن يحتجِنه دون المسلمين، ويمحو اسم المسلمين. فأتاه أبو ذرّ، فقال: ما يدعوك إلى أن تسمّي مالَ المسلمين مال الله! قال: يرحمك الله يا أبا ذَرّ! ألسنا عبادَ الله، والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره! قال: فلا تقله، قال: فإني لا أقول: إنه ليس لله، ولكن سأقول: مال المسلمين.
قال: وأتى ابن السوداء أبا الدّرداء، فقال له: مَنْ أنت؟ أظنّك والله يهوديًّا! فأتى عُبادةَ بن الصامت فتعلق به، فأتى به معاويةَ، فقال: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذرّ؛ وقام أبو ذرّ بالشأم وجعل يقول: يا معشرَ الأغنياء! واسوا الفقراء. بُشِّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار تكوى بها جباههم، وجنوبهم، وظهورهم. فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء، وحتى شكا الأغنياء ما يلقوْن من الناس.
فكتب معاوية إلى عثمان: إنّ أبا ذرّ قد أعضَل بي، وقد كان من أمره كَيْت وكَيْت. فكتب إليه عثمان: إن الفتنة قد أخرجت خَطمها وعينيها، فلم يبقَ إلا أن تثب، فلا تنكأ القَرْح، وجهّز أبا ذر إليّ، وابعث معه دليلًا وزوّده، وارفق به، وكفكف الناس ونفسك ما استطعت؛ فإنما تُمسك ما استمسكت. فبعث بأبي ذرّ ومعه دليل؛ فلمّا قدم المدينة ورأى المجالس في أصل سَلْع، قال: بشّر أهل المدينة بغارة شعواء، وحرب مِذْكار.
ودخل على عثمان فقال: يا أبا ذرّ! ما لأهل الشام يشكون ذَرَبك! فأخبره: أنه لا ينبغي أن يقال: مال الله، ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالًا. فقال: يا أبا ذرّ! عليّ أن أقضيَ ما عليّ، وآخذ ما على الرعيّة، ولا أجبرهم على الزّهد، وأن أدعوَهم إلى الاجتهاد، والاقتصاد.
قال: فتأذن لي في الخروج، فإنّ المدينة ليست لي بدار؟ فقال: أو تستبدل بها إلا شرًّا منها! قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أخرُج منها إذا بلغ البناء سَلْعًا؛ قال: فانفُذ لما أمرك به. قال: فخرج حتى نزل الرّبذة، فخطّ بها مسجدًا، وأقطعه عثمان صِرْمة من الإبل، وأعطاه مملوكين، وأرسل إليه: أن تعاهد