له الموْبَذ: ليس ذلك لك، قد علمتَ أنّ الدِّين والمُلْك مقترنان لا يستقيم أحدهما إلّا بالآخر، ومتى فعلتَ انتهكت الحُرْمة التي لا بعدها. وتكلم الناس وأعظموا ذلك، فشتَمهم ماهويه، وقال للأساورة: من تكلم فاقتلوه، وأمر عِدّة فذهبوا مع الطّحان، وأمرهم أن يقتلوا يزْدَجرد، فانطلقوا فلما رأوه كرهوا قَتْله، وتدافعوا ذلك، وقالوا للطحان: ادخل فاقتله، فدخل عليه وهو نائم ومعه حجر فشدخ به رأسَه، ثم احتزّ رأسه، فدفعه إليهم, وألقى جسده في المَرْغاب. فخرج قوم من أهل مَرْوَ، فقتلوا الطّحان، وهدموا رحاه، وخرج أسقُف مَرْو، فأخرج جسد يَزْدَجرد من المِرغاب، فجعله في تابوت، وحمَله إلى إصطخر، فوضعه في ناووس.
وقال آخرون في ذلك ما ذكر هشام بن محمد: أنه ذُكر له أن يَزْدَجرد هرب بعد وقعة نهاوند، وكانت آخر وقعاتهم حتى سقط إلى أرض أصبَهان، وبها رجل يقال له: مطيار من دهاقينها - وهو المنتدب كان لقتال العرب حين نَكَلت الأعاجم عنها - فدعاهم إلى نفسه، فقال: إن ولِّيتُ أمورَكم، وسرت بكم إليه ما تجعلون لي؟ فقالوا: نُقرّ لك بفضلك. فسار بهم، فأصاب من العرب شيئًا يسيرًا، فحظيَ به عندهم، ونال به أفضلَ الدرجات فيهم. فلما رأى يَزْدَجرد أمرَ أصبَهان ونزلها، أتاه مطيار ذات يوم زائرًا، فحجبه بوابه، وقال له: قف حتى أستأذن لك عليه، فوثب عليه فشجّه أنَفةً وحميّة لحجْبه إيّاه، ودخل البواب على يَزْدجرد مدمًّى، فلمّا نظر إليه أفظعه ذلك، وركب من ساعته مرتحلًا عن أصبهان، وأشير عليه أن يأتيَ أقصى مملكته فيكون بها, لاشتغال العرب عنه بما هم فيه إلى يوم. فسار متوجّهًا إلى ناحية الرّيّ، فلما قدمها خرج إليه صاحب طَبَرِستان، وعرض عليه بلادَه، وأخبره بحصانتها، وقال له: إن أنت لم تجبني يومك هذا، ثم أتيتني بعد ذلك لم أقبلك ولم آوِك؛ فأبى عليه يَزْدَجرد، وكتب له بالأصبَهبذيّة، وكان له فيما خلا عليه درجة أوضع منها (١). (٤: ٢٩٣/ ٢٩٤/ ٢٩٥).
٧٤٦ - وقال بعضهم: إنّ يَزْدَجرد مضى من فوره ذلك إلى سجسْتان، ثمّ سار منها إلى مَرْوَ في ألف رجل من الأساورة.