عن هارون بن سعد، عن العَلاء بن عبد الله بن زيد العنبريّ: أنّه قال: اجتمع ناسٌ من المسلمين، فتذاكروا أعمالَ عثمان وما صنع، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا إليه رجلًا يكلّمه، ويخبره بإحداثه، فأرسلوا إليه عامرَ بن عبد الله التميميّ ثم العنبريّ - وهو الذي يُدعى عامرَ بنَ عبد قيس - فأتاه، فدخل عليه، فقال له: إن ناسًا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك، فوجدوك قد ركبتَ أمورًا عظامًا، فاتّق الله عزّ وجلّ وتُب إليه، وانزع عنها. قال له عثمان: انظر إلى هذا، فإنّ الناس يزعمون أنه قارئ، ثم هو يجيء فيكلّمني في المحقَّرات، فو الله ما يدري أين الله! قال عامر: أنا لا أدري أين الله! قال: نعم، والله ما تدري أين الله؛ قال عامر: بلى واللهِ إنّي لأدرِي أنّ اللهَ بالمرصاد لك.
فأرسل عثمان إلى معاويةَ بن أبي سُفيان، وإلى عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح، وإلى سعيد بن العاص، وإلى عمرو بن العاص بن وائل السهميّ، وإلى عبدِ الله بنِ عامر؛ فجمَعهم ليشاورَهم في أمره وما طُلِب إليه، وما بلغه عنهم، فلما اجتمعوا عنده قال لهم: إنّ لكلّ امرئ وزراءَ ونُصَحاء، وإنَّكم وزرائي ونُصَحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناسُ ما قد رأيتم، وطلبوا إليّ أن أعزل عمّالي، وأن أرجعَ عن جميع ما يَكرهون إلى ما يحبّون، فاجتهدوا رأيَكم، وأشيروا عليّ.
فقال له عبدُ الله بنُ عامر: رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرَهِم بجهاد يشغَلهم عنك. وأن تُجمّرهم في المغَازي حتى يذِلُّوا لك، فلا يكون همّة أحدهم إلَّا نفسَه، وما هو فيه من دَبرة دابته، وقَمْل فرْوه. ثم أقبل عثمانُ على سعيد بنِ العاص فقال له: ما رأيك؟ قال: يا أمير المؤمنين! إن كنتَ ترى رأينَا فاحسم عنك الدّاء، واقطَعْ عنك الذي تَخاف، واعمل برأي تُصِب؛ قال: وما هو؟ قال: إنّ لكل قوم قادةً متى تَهلِكْ يتفرّقوا، ولا يجتمعْ لهم أمر، فقال عثمان: إنّ هذا الرأيُ لولا ما فيه. ثم أقبل على معاوية فقال: ما رأيُك؟ قال: أرى لك يا أميرَ المؤمنين أن تردّ عمّالك على الكفاية لما قِبَلهم، وأنا ضامن لك قِبَلي.
ثم أقبل على عبد الله بن سعد، فقال: ما رأيُك؟ قال: أرى يا أميرَ المؤمنين: أنّ الناسَ أهل طَمَع، فأعطهم من هذا المال تَعطفْ عليك قلوبهم. ثم أقبل على عمرو بن العاص فقال له: ما رأيُك؟ قال: أرى أنك قد ركبتَ الناس بما يكرهون؛