فلما وليَ سعيد أقفله، وأحسن إليه واستصلحه، فكفره، فلم يزدد إلا فسادًا. واستعار ضابئ بن الحارث البرجميّ في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبًا يدعى قَرْحان، يصيد الظباء، فحبسه عنهم، فنافره الأنصاريون، واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه، فانتزعوه منه، وردّوه على الأنصار، فهجاهم، وقال في ذلك:
فباتوا شِباعًا ناعمين كأنما ... حبَاهُمْ ببَيتِ المَرزُبان أمير
فكلبكُمُ لا تَتْرُكوا فهوَ أمُّكُمْ .. فإنّ عقوقَ الأمَّهاتِ كبيرُ
فاستعدَوا عليه عثمان، فأرسل إليه، فعزّره، وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين، فاستثقل ذلك، فما زال في الحبس حتى مات فيه. وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه:
هَمَمتُ ولم أفعَلْ وكدتُ ولَيتَني ... فعَلتُ ووَلَّيتُ البُكاءَ حَلائلهْ
وقائِلةٍ قد ماتَ في السجنِ ضابئٌ ... ألا مَن لخصْمٍ لم يَجد مَن يُجادِلُه!
وقائلةٍ لا يُبعِدِ اللهُ ضابئًا ... فَنعْمَ الفَتى تخلُو به وتُحاوِلهْ
فلذلك صار عمير بن ضابئ سَبئيًّا (١). (٤: ٤٠١/ ٤٠٢ / ٤٠٣).
٨٥٦ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن المستنير، عن أخيه، قال: والله ما علمت، ولا سمعتُ بأحد غزا عثمان رضي الله عنه، ولا ركب إليه إلا قتل؛ لقد اجتمع بالكوفة نفرٌ، فيهم الأشتر، وزيد بن صوحان، وكعب بن ذي الحبَكة، وأبو زينب، وأبو مورع، وكُمَيل بن زياد، وعمير بن ضابئ؛ فقالوا: لا والله لا يُرفَع رأسٌ ما دام عثمان على الناس؛ فقال عمير بن ضابئ، وكمَيل بن زياد: نحن نقتله. فركبا إلى المدينة؛ فأما عمير؛ فإنه نكل عنه، وأما كمَيل بن زياد؛ فإنه جسر، وثاوره؛ وكان جالسًا يرصده حتى أتى عليه عثمان، فوجأ عثمان وجهه، فوقع على استه، وقال: أوجعتني يا أمير المؤمنين! قال: أوَ لَستَ بفاتك! قال: لا والله الذي لا إله إلّا هو؛ فحلف وقد اجتمع عليه الناس، فقالوا: نفتّشه يا أمير المؤمنين! فقال: لا، قد رزق الله العافية، ولا أشتهي أن