لقيَتْ ربيعة وخروج عبد القيس ونزولهم بالطريق، فقال: عبد القيس خيرُ ربيعة، في كلّ ربيعة خير. وقال:
يا لَهفَ نَفسي على رَبيعَهْ ... ربيعَةَ السامِعَةِ المُطِيعَهْ
قد سَبَقَتْني فيهِمُ الوَقيعَهْ ... دعَا عَلَيٌّ دَعوةً سَمِيعَهْ
حَلُّوا بها المَنْزِلَةَ الرَّفيعَهْ
قال: وعرضَتْ عليه بكر بن وائل، فقال لهمْ مثل ما قال لطيّئ وأسد.
ولما قدم محمد، ومحمد على الكوفة، وأتيا أبا موسى بكتاب أمير المؤمنين، وقاما في الناس بأمره، لم يجابا إلى شيء، فلما أمسوا دخل ناسٌ من أهل الحِجا على أبي موسى، فقالوا: ما ترى في الخروج؟ فقال: كان الرّأي بالأمس ليس باليوم؛ إنّ الّذي تهاونتم به فيما مضى هو الذي جرّ عليكم ما تَرَوْن؛ وما بقِيَ إنما هما أمران: القُعود سبيل الآخرة، والخُروج سبيل الدّنيا، فاختاروا، فلم ينفِر إليه أحدٌ، فغضِب الرّجلان وأغلظا لأبي موسى، فقال أبو موسى: والله إنّ بيعة عثمان رضي الله عنه لفي عُنقي، وعنق صاحبكما، فإن لم يكن بُدّ من قتال لا نقاتل أحدًا حتى يُفرَغ من قَتَلة عثمان حيث كانوا، فانطلقا إلى عليّ فوافياه بذي قار وأخبراه الخبر، وقد خرج مع الأشتر وقد كان يعجِل إلى الكوفة، فقال عليّ: يا أشتر! أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترِض في كلّ شيء، اذهب أنت وعبد الله بن عبّاس فأصْلِحْ ما أفْسَدْت.
فخرج عبد الله بن عباس؛ ومعه الأشتر، فقدما الكوفة وكَلَّما أبا موسى واستعانا عليه بأناس من الكوفة، فقال للكوفيين: أنا صاحبكم يوم الجَرَعة وأنا صاحبكم اليوم؛ فجمع الناس فخطبهم، وقال: يا أيّها الناس! إنّ أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الّذين صحبوه في المواطن أعلم بالله جلّ وعزّ وبرسُوله - صلى الله عليه وسلم - ممّن لم يصحبه، وإنَّ لكم علينا حقًّا فأنا مؤدّيه إليكم. كان الرّأي ألّا تستخفُّوا بسلطان الله عزّ وجلّ، ولا تجترئوا على الله عزّ وجلّ، وكان الرّأي الثاني أن تأخذوا من قَدِم عليكم من المدينة فتردّوهم إليها حتى يجتمعوا، وهم أعلم بمن تصلح له الإمامة منكم، ولا تَكلّفوا الدّخول في هذا، فأمّا إذا كان ما كان فإنها فتنة صمّاء، النائم فيها خيرٌ من اليقظان، واليقظان فيها خير من القاعد، والقاعد خير من القائم، والقائم خيرٌ من الرّاكب، فكونوا جرثومة من جراثيم العرب، فاغمدوا