الشأم، وعلى ميمنتهم ذو الكَلاع، فحملوا على ربيعة، وهم ميسرة أهلِ العراق، وفيهم ابنُ عبّاس، وهو على الميسرة، فحمل عليهم ذو الكَلاع، وعبيد الله بن عمر حَمْلةً شديدة بخيلهم ورجلهم، فتضعضعتْ رايات ربيعة إلّا قليلًا من الأخيار والأبدال. قال: ثمّ إن أهل الشأم انصرفوا، فلم يمكثوا إلّا قليلًا حتى كرّوا، وعبيد الله بن عمر يقول: يا أهل الشأم! إنّ هذا الحيَّ من أهل العراق قتلة عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وأنصار عليّ بن أبي طالب، وإن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثأركم في عثمان، وهلك عليّ بن أبي طالب، وأهل العراق، فشَدّوا على الناس شدّة، فثبتتْ لهم ربيعة، وصبروا صبرًا حسنًا إلا قليلًا من الضعفاء والفَشَلة، وثبت أهل الرايات، وأهلُ الصَّبر منهم، والحفاظ، فلم يزولوا، وقاتَلوا قتالًا شديدًا. فلما رأى خالد بن المعمّر ناسًا من قومه انصرفوا؛ انصرف، ولمّا رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا ورأى قومه قد صبروا؛ رجع وصاح بمن انهزم، وأمرهم بالرّجوع، فقال: مَنْ أراد من قومه أن يتّهمه؛ أراد الانصراف، فلمّا رآنا قد ثبتنا؛ رجع إلينا، وقال هو: لما رأيت رجالًا منا انهزموا رأيتُ أن أستقبلهم وأردّهم إليكم، وأقبلت إليكم فيمن أطاعني منهم، فجاء بأمر مشبّه (١). (٥: ٣٣/ ٣٤/ ٣٥).
١١١٤ - قال أبو مخنف: حدّثني رجل من بكر بن وائل عن محرز بن عبد الرحمن العجْليّ، أنّ خالدأ قال يومئذ: يا معشرَ ربيعة! إن الله عزّ وجلّ قد أتى بكلّ رجل منكم من منبته ومسقط رأسه، فجمعكم في هذا المكان جمعًا لم يجمعكم مِثله منذ نشرَكم في الأرض، فإنْ تمسِكوا بأيديكم، وتنكُلوا عن عدوّكم، وتزولوا عن مصافِّكم؛ لا يرض الله فعلَكم، ولا تقدَموا من الناس صغيرًا أو كبيرًا إلّا يقول: فضحتْ ربيعة الذِّمار، وحاصَت عن القتال، وأتِيتْ من قِبلها العرب، فإيّاكم أن يتشاءم بكم العرب والمسلمون اليوم، وإنكم إن تمضُوا مقبلين مقدمين، وتصيروا محتسبين؛ فإنّ الإقدام لكم عادة، والصبر منكم سجيّة، واصبروا ونيّتكم صادقة أن تؤجَروا، فإنّ ثواب مَن نَوَى ما عند الله شرفُ الدنيا وكرامةُ الآخرة، ولن يُضيع اللهُ أجرَ من أحسن عملًا.
فقام رجل من ربيعة فقال: ضاع والله أمرُ ربيعة حين جعلتْ إليك أمورَها!