ليكوننّ مثل أبي بكر وعمرَ رضي الله عنهما، وإن ظهر معاوية؛ لا يُقِرّ لقائل بقول حقّ.
قال الزّهريّ: فأصبح أهل الشأم قد نشروا مصاحفَهم، ودَعَوا إلى ما فيها، فهاب أهل العراقين، فعند ذلك حكموا الحَكَمين، فاختار أهلُ العراق أبا موسى الأشعريّ، واختار أهلُ الشأم عمرَو بن العاص، فتفرّق أهلُ صِفّين حين حُكِّمَ الحكَمان، فاشترطا أن يرفعا ما رفع القرآن، ويخفِضا ما خفض القرآن، وأن يختارا لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأنّهما يجتمعان بدُومة الجندل، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرُح.
فلما انصرف عليّ خالفت الحَرورية وخرجت - وكان ذلك أول ما ظهرت - فآذنوه بالحرب، وردّوا عليه: إنّ حكم بني آدم في حكم الله عزّ وجلّ، وقالوا: لا حكمَ إلا لله سبحانه! وقاتلوا، فلما اجتمع الحكمان بأذرُح، وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس، فأرسل الحكَمان إلى عبد الله بن عمرَ بن الخطاب، وعبد الله بن الزّبير في إقبالهم في رجال كثير، ووافى معاويةُ بأهل الشأم، وأبى علي وأهل العراق أن يوافُوا؛ فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوِي الرأي من قريش: أتروْن أحدًا من الناس برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحَكَمان أم يتفرّقان؟ قالوا: لا نرى أحدًا يعلم ذلك، قال: فوالله إني لأظنّ أنِّي سأعلمه منهما حين أخلُو بهما وأراجعهما. فدخل على عمرو بن العاص وبدأ به فقال: يا أبا عبدِ الله! أخبرني عمّا أسألك عنه، كيف ترانا معشر المعتزِلة، فإنا قد شككْنا في الأمر الذي تبيّن لكم من هذا القتال، ورأيْنا أن نستأنيَ ونتثبَّت حتى تجتمع الأمة! قال: أراكم معشرَ المعتزِلة خَلْفَ الأبرار، وأمامَ الفُجّار! فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك؛ حتى دخل على أبي موسى فقال له مثلَ ما قال لعمرو، فقال أبو موسى: أراكم أثبتَ الناس رأيًا، فيكم بقيَّة المسلمين. فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك، فلقي الذين قال لهم ما قال من ذوي الرّأي من قريش، فقال: لا يجتمع هذان على أمر واحد، فلما اجتمع الحكَمان وتكلّما؛ قال عمرو بن العاص: يا أبا موسى! رأيت أوّل ما تقضي به من الحقّ أن تقضيَ لأهل الوفاء بوفائهم، وعلى أهل الغدر بغَدرِهم؛ قال أبو موسى: وما ذاك؟ قال: ألستَ تعلم: أنّ معاوية وأهل الشأم قد وَفَوا، وقَدمِوا للموعد