الذي واعدْناهم إيّاه؟ قال: بلى، قال عمرو: اكتُبها؛ فكتَبها أبو موسى؛ قال عمرو: يا أبا موسى! أأنتَ على أن نسمِّيَ رجلًا يلِي أمرَ هذه الأمة؟ فسمِّه لي، فإن أقدر على أن أتابعَك فلك عليّ أن أتابعك، وإلا فلِي عليك أن تتابعني! قال أبو موسى: أسمِّي لك عبدَ الله بن عمر، وكان ابن عمر فيمن اعتزل؛ قال عمرو: إني أسمِّي لك معاوية بن أبي سُفيان، فلم يَبرحا مجلسهما حتى استبّا، ثم خرجا إلى الناس، فقال أبو موسى: إنّي وجدت مَثلَ عمرو مَثل الّذين قال الله عزّ وجلّ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}، فلمّا سكت أبو موسى؛ تكلم عمرو فقال: أيُّها الناس وجدت مَثلَ أبي موسى كَمَثل الذي قال عزّ وجل: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} وكتب كلُّ واحد منهما مَثلَه الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار.
قال ابن شهاب: فقام معاوية عشيَّةً في الناس، فأثنَى على الله جلّ ثناؤه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فمن كان متكلّمًا في الأمر؛ فليطلع لنا قَرْنَه، قال ابن عمر: فأطلقتُ حُبْوَتي، فأردت أن أقول قولًا يتكلَّم فيه رجالٌ قاتلوا أباك على الإسلام، ثم خشيت أن أقول كلمة تفرِّق الجماعة، أو يُسفك فيها دم، أو أحمَل فيها على غير رأي، فكان ما وعد الله عزّ وجلّ في الجنان أحبّ إليّ من ذلك، فلما انصرف إلى المنزل جاءني حبيب بن مَسْلمة فقال: ما منعك أن تتكلم حين سمعت الرجل يتكلّم؟ قلت: أردت ذلك، ثم خشيت أن أقول كلمة تُفرِّق بين جميع، أو يُسفَك فيها دم، أو أحمَل فيها إلى غير رأي، فكان ما وعد الله عزّ وجلّ من الجنان أحبّ إليّ من ذلك. قال: قال حبيب: فقد عُصمْتَ (١). (٥: ٥٧/ ٥٨/ ٥٩).
١١٤٢ - رجع الحديث إلى حديث أبي مِخْنف: قال أبو مخنف: حدثني فُضيل بن خَديج الكنديّ، قال: قيل لعليّ بعدما كُتبت الصحيفة: إن الأشتر لا يُقرّ بما في الصحيفة، ولا يرى إلا قتال القوم؛ قال عليّ: وأنا والله ما رضيتُ، ولا أحببتُ أن ترضَوْا، فإذْ أبيتم إلا أن ترضوا فقد رضيتُ، فإذ رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرّضا، ولا التبديل بعد الإقرار، إلا أن يُعصَى الله
(١) إسناده مرسل ضعيف، وأما المقطع الأخير من هذه الرواية أي من قوله: (فقام معاوية عشية في الناس ... ) إلى آخر الرواية فصحيح كما ذكرنا في قسم الصحيح فليراجع.