للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخطب العظيم! إني نذيرٌ لكم أن تُصبِحوا تُلفيكم الأمّة غدًا صَرْعَى بأثناء هذا النّهر، وبأهضام هذا الغائط، بغير بيِّنة من ربّكم، ولا برهان بيِّن، ألم تعلموا: أنّي نهيتُكم عن الحكومة، وأخبرتكم: أنّ طلب القوم إيّاها منكم دَهْن ومكيدة لكم! ونبّأتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأني أعرَفُ بهم منكم، عرفتُهم أطفالًا ورجالًا، فهم أهلُ المكَر والغَدْر، وأنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم! فعصيتموني، حتى أقررت بأن حَكَّمْتُ، فلما فعلت شرطت واستوثقت، فأخذت على الحَكَمين أن يُحييا ما أحيَا القرآن، وأن يُميتَا ما أماتَ القرآن، فاختلَفَا، وخالَفا حكم الكتاب والسنة، فنبذنا أمرَهما، ونحن على أمرنا الأوّل، فما الذي بكم؟ ومن أين أتيتم! قالوا: إنا حكَّمنا، فلمّا حكَمنا أثِمنا، وكنا بذلك كافرين، وقد تُبْنا فإن تبتَ كما تبنا فنحنُ منك ومعك، وإن أبيتَ فاعتزِلْنا فإنا منابِذُوك على سَواء {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: ٥٨]، فقال عليّ: أصابكم حاصب، ولا بقي منكم وابر! أبعْدَ إيماني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهجرتي معه، وجهادي في سبيل الله، أشهد على نفسي بالكُفر؟ ! لـ {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: ٥٦] قد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين. ثم انصرف عنهم (١). (٥: ٨٤).

١١٦٤ - قال أبو مخنف: حدّثني أبو سَلَمة الزُّهريّ - وكانت أمّه بنت أنَس بن مالك -: أنّ عليًّا قال لأهل النّهر: يا هؤلاء! إنّ أنفسكم قد سوّلت لكم فراقَ هذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كارهٌ، وأنبأتكم: أنّ القوم سألوكُمُوها مكيدةً ودَهنًا، فأبيتم عليَّ إباءَ المخالِفين، وعدلتم عنّي عدولَ النكَداء العاصِين، حتى صرفت رأي إلى رأيكم، وأنتم والله معاشر أخفَّاء الهام، سُفَهاء الأحلام، فلم آتِ - لا أبا لكم - حرامًا، والله ما خبلتُكَم عن أموركم، ولا أخفيتُ شيئًا من هذا الأمر عنكم، ولا أوطأتكم عَشْوة، ولا دَنّيتُ لكم الضَّرّاء! وإن كان أمرُنا لأمرِ المسلمين ظاهرًا؛ فأجمَعَ رأي مَلَئِكم على أن اختاروا رجلين، فأخذْنا عليهما أن يَحكما بما في القرآن ولا يَعدُواه، فَتَاها وتركا الحقَّ وهما يُبصِرانه، وكان الجوْر هَواهما، وقد سبق استيثاقُنا عليهما في الحكم بالعدل، والصدّ للحقّ سوءَ رأيهما، وجَوْر حكمهما، والثقة في أيدينا لأنفسنا


(١) إسناده تالف.

<<  <  ج: ص:  >  >>