حين خالفا سبيلَ الحق، وأتيا بما لا يعرف، فبيّنوا لنا بماذا تستحلّون قتالنا، والخروجَ من جماعتنا؟ ! إن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافَكم على عواتقكم، ثم تَستعرضوا الناس، تضربون رقابَهم، وتَسفِكون دماءهم! إنّ هذا لهو الخسران المبين. والله لو قتلتم على هذا دجاجة لَعَظُم عند الله قتلها، فكيف بالنفس التي قتْلُها عند الله حرامٌ؟ !
فتنادَوا: لا تُخاطبوهم، ولا تكلّموهم، وتهيّؤوا للقاء الربّ، الرّواحَ الرّواحَ إلى الجنَّة! فخرج عليٌّ فعبّأ الناس، فجعل على ميمنته حُجْر بن عديّ، وعلى ميسرته شَبَث بن رِبْعيّ - أو معقِل بن قيس الرّياحيّ - وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاريّ، وعلى الرّجالة أبا قَتادة الأنصاريّ، وعلى أهل المدينة - وهم سبعمئة أو ثمانمئة رجل - قيس بن سعد بن عُبادة.
قال: وعبّأت الخوارج، فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حُصَين الطائيّ، وعلى الميسرة شُريح بن أوفَى العبسيّ، وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسَديّ، وعلى الرّجالة حُرقوص بن زُهير السعديّ.
قال: وبعث عليّ الأسود بن يزيد المُراديّ في ألفي فارس؛ حتى أتى حمزة بن سنان وهو في ثلاثمئة فارس من خيلهم، ورفع عليٌّ رايةَ أمان مع أبي أيوب، فناداهم أبو أيوب: مَن جاء هذه الرّاية منكم ممّن لم يقتل، ولم يستعرض فهو آمِن، ومَن انصرف منكم إلى الكُوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آِمِن، إنّه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قَتلةَ إخواننا منكم في سفك دمائكم. فقال فرْوة بن نوفل الأشجعيّ: والله ما أدري على أيّ شيء نقاتل عليًّا! لا أرى إلا أن أنْصرف حتى تنفذ لي بصيرتي في قتاله أو اتّباعه. وانصرف في خمسمئة فارس، حتى نزل البَنْدَنيجَيْن، والدَّسْكرة، وخرجت طائفةٌ أخرى متفرّقين فنزلت الكوفة، وخرج إلى عليّ منهم نحو من مئة، وكانوا أربعة آلاف، فكان الذين بقُوا مع عبد الله بن وهب منهم ألفين وثمانمئة، وزحفوا إلى عليّ، وقدّم عليّ الخيلَ دون الرجال، وصفّ الناس وراء الخيل صَفّين، وصَفّ المرامية أمامَ الصفّ الأوّل، وقال لأصحابه: كفّوا عنهم حتى يبدؤوكم، فإنهم لو قد شدّوا عليكم - وجُلّهم رجال - لم ينتهوا إليكم إلا لاغِبين وأنتم رادّون حامُون، وأقبلت الخوارج، فلما أن دنَوا من الناس نادَوا يزيد بن قيس، فكان يزيد بن قيس على