فذبحه، فما حزّ رأسَه حتى حمل عليه رجلٌ منهم فطعنَه بالرمح في ثُغْرة نَحرِه، فخرّ عن صدره، وانجَدَل ميّتًا، وشددْنا عليهم، وحُزْناهم إلى القَرْية، ثم انصرفْنا إلى معركتِنا، فأتيتُه وأنا أرجو أن يكون به رَمَق، فإذا هو قد فاظ، فرجعتُ إلى أصحابي فوقفتُ فيهم (١). (٥: ١٩٨).
قال أبو مخنف: وحدّثني عبد الرحمن بن جندب، عن عبد الله بن عقبة الغنويّ، قال: إنا لمتواقِفون أوّلَ الليل إذ أتانا رجل كنا بعثْناه أوّلَ الليل، وكان بعض من يمرّ الطريق قد أخبَرَنا أنّ جيشًا قد أقبل إلينا من البَصرة، فلم نكترِث، وقُلْنا لرجل من أهل الأرض وجعلْنا له جُعْلًا: اذهبْ فاعلم هل أتانا من قبل البصرة جيش؟ فجاء ونحن مواقفو أهل الكوفة. وقال لنا: نعم، قد جاءكم شريكُ بن الأعور، وقد استقبلت طائفة على رأس فرسخ عند الأولى، ولا أرى القومَ إلا نازلين بكم الليل، أو مُصبِّحيكم غُدْوة، فأسقِط في أيدينا.
وقال المستورد لأصحابه: ماذا ترون؟
قلنا: نرى ما رأيت، قال: فإني لا أرى أن أقيمَ لهؤلاء جميعًا، ولكن نرجع إلى الوجه الذي جئنا منه، فإنّ أهلَ البَصرة لا يتبعونا إلى أرض الكوفة، ولا يتبعنا حينئذ إلا أهلُ مِصْرنا: فقلنا له: ولِمَ ذاك؟ فقال: قتال أهلِ مصرٍ واحدٍ أهوَن علينا من قتال أهلِ المِصْرَين؛ قالوا: سِرْ بنا حيث أحببتَ، قال: فانزلوا عن ظهور دوابِّكم فأريحوا ساعة، وأقضِموها، ثم انظروا ما آمُركم به، قال: فنزلْنا عنها، فأقضمْنَاها، قال: وبيننا وبينهم حينئذ ساعة قد ارتفعوا عن القرية مخافة أن نبيَّتهم؛ قال: فلما أرحْناها وأقْضَمْناها أمَرَنا فاستوَيْنا على مُتونها، ثم قال: ادخلُوا القرية، ثم اخرجوا من ورائها، وانطلِقوا معكم بعِلْجٍ يأخذ بكم من ورائها، ثم يعود بكم حتى يَردّكم إلى الطريق الذي منه أقبلْتم ودعْوا هؤلاء مكانَهم، فإنهم لم يشعُروا بكم عامة الليل، أو حتى تصبحوا. قال: فدخلْنا القرية وأخذْنا عِلْجًا، ثمّ خرجْنا به أمامنا، فقلنا: خذْ بنا من وراء هذا الصّفّ حتى نعودَ إلى الطريق الذي منه أقبلْنا، ففعل ذلك، فجاء بنا حتى أقامَنا على الطريق الذي