منه أقبلْنا، فلزِمناه راجِعين، ثم أقبلْنا حتى نزلْنا جَرْجَرايا (١). (٥: ١٩٨/ ١٩٩).
قال أبو مخنف: حدّثني حُصَيرة بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن الحارث، قال: إنّي أوّل من فَطِن لذَهابهم، قال: فقلت: أصلحك الله! لقد رابني أمر هذا العدوّ منذ ساعة طويلة، إنهم كانوا مواقفين نرى سوادَهم، ثمّ لقد خَفِيَ عليَّ ذلك السوادُ منذ ساعة، وإني لخائف أن يكونوا زالوا من مكانهم ليَكيدوا الناسَ، فقال: وما تخاف أن يكون من كيدهم؟ قلت: أخاف أن يبيّتوا الناسَ، قال: والله ما آمَن ذلك؛ قال: فقلتُ له: فاستعدّ لذلك، قال: كما أنت حتى أنظر. يا عتّاب، انطلِق فيمن أحببتَ حتى تدنَو من القرية فتنظرَ هل ترى منهم أحدًا أو تسمَع لهم رِكزًا! وسَلْ أهلَ القرية عنهم.
فخرج في خُمُس الغُزاة يَركض حتى نظر القرية فأخذ لا يرى أحدًا يكلّمه، وصاح بأهل القرية، فخرج إليه منهم ناسٌ، فسألهم عنهم، فقالوا: خرجوا فلا ندري كيف ذَهَبوا! فرجع إليه عتّاب فأخبره الخبر، فقال معقِل: لا آمن البَيات، فأين مُضَر؟ فجاءت مضر فقال: قفوا هاهنا، وقال: أين ربيعة؟ فجعل ربيعة في وجه، وتميمًا في وجه، وهمْدان في وجه، وبقيّة أهل اليَمَن في وجه آخر، وكان كلّ ربع من هؤلاء في وجه وظهره مما يلي ظهر الرّبع الآخر، وجالَ فيهم معقل حتى لم يَدع ربعًا إلا وقف عليه، وقال: أيّها الناس! لو أتوكم فبدَؤوا بغيركم فقاتَلوهم فلا تبرَحوا أنتم مكانكم أبدًا حتى يأتيَكم أمري، وليُغْنِ كلّ رجل منكم الوجَه الذي هو فيه، حتى نُصبحَ فنرى رأيَنا، فمكثوا متحارِسين يخافون بياتَهم حتى أصبحوا، فلما أصبحوا نزلوا فصلّوا، وأتُوا فأخبِروا أنّ القوم قد رجعوا في الطريق الذي أقبلوا منه عودَهم على بدئهم، وجاء شَريك بن الأعور في جيش من أهل البَصرة حتى نزلوا بمعقل بن قيس فلقيه، فتساءَلا ساعة، ثم إنّ معقلًا قال لشريك: أنا متَّبع آثارَهم حتى ألحقَهم لعلّ الله أن يُهلِكهم، فإني لا آمن إن قصّرتُ في طلبهم أن يكثروا فقام شريك فجمع رجالًا من وجوه أصحابه، فيهم خالد بنُ مَعْدان الطائيّ وبيْهسَ بن صُهَيب الجَرْميّ، فقال لهم: يا هؤلاء! هل لكم في خير؟ هل لكم في أن تسيروا مع إخواننا من أهل الكوفة في طلب هذا