للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو مخنف: حدّثني حُصيرة بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن الحارث الأزديّ، قال: لما أتانا أنّ المستورِدَ بن عُلفة وأصحابه قد رجعوا عن طريقهم سُرِرْنا بذلك، وقلنا: نتبعهم ونستقبلهم بالمدائن، وإن دنوا من الكُوفة كان أهلَك لهم؛ ودَعا معقلُ بن قيس أبا الروَّاغ فقال له: اتّبعه في أصحابك الذين كانوا معك حتى تحبسه عليّ حتى ألحَقك، فقال له: زدني منهم فإنه أقوَى لي عليهم إن هم أرادوا مناجَزتي قبل قدومك، فإنا كنا قد لقينا منهم بَرْحًا، فزاده ثلاثمئة، فاتّبعهم في ستمئة، وأقبلوا سِراعًا حتى نزلوا جَرْجرَايا، وأقبل أبو الرّواغ في إثرهم مسرعًا حتى لحقهم بجَرْجَرايا، وقد نزلوا، فنزل بهم عند طلوع الشمس، فلما نظروا إذا هم بأبي الرواغ في المقدِّمة، فقال يعضهم لبعض: إنّ قتالَكم هؤلاء أهونُ من قتال من يأتي بعدَهم.

قال: فخرجوا إلينا، فأخذوا يُخرُجون لنا العَشَرة فُرسان منهم والعشرين فارسًا، فنخرج لهم مثلهم، فتطارد الخَيْلان ساعةً يَنتصِف بعضُنا من بعض، فلما رأوا ذلك اجتمعوا فشدّوا علينا شَدّةً واحدة صَدَقوا فيها الحملة.

قال: فصَرفونا حتى تركْنا لهم العَرْصة، ثم إن أبا الروّاغ نادى فيهم، فقال! يا فُرسان السوء، يا حُماة السوء، بئس ما قاتلتم القوم! إليّ إليّ! . فعالجَ نحوًا من مئةِ فارس، فعطف عليهم، وهو يقول:

إنّ الفَتى كلّ الفتى من لم يُهَلْ ... إذا الجَبانُ حادَ عن وَقْعِ الأَسَلْ

قد عَلِمَتْ أَنِّي إذا البأْسُ نزلْ ... أروَعُ يومَ الهَيْجِ مِقدامٌ بَطَلْ

ثم عطف عليهم فقاتلَهم طويلًا، ثم عطف أصحابُه من كلّ جانب، فصدَقوهم القتال حتى ردّوهم إلى مكانهم الذي كانوا فيه، فلما رأى ذلك المستورِد وأصحابه ظنوا أنّ معقلًا إن جاءهم على تفِئة ذلك لم يكن دون قتله لهم شيء؛ فمضى هو وأصحابُه حتى قَطعَوا دجلة، ووَقَعوا في أرض بَهُرسير، وقطعوا أبو الروّاغ في آثارهم فاتّبَعهم وجاء معقل بن قيس فاتّبع إثْرَ أبي الروّاغ، فقطع في إثره دِجْلة، ومضى المستورِد نحوَ المدينة العتيقة، وبلغ ذلك سِماك بن عُبيد، فخرج حتى عبر إليها، ثم خرج بأصحابه، وبأهل المَدائن، فصفّ على بابها، وأجلس رجالًا رُماةً على السُّور، فبلغهم ذلك، فانصرفوا حتى نزلوا سابَاطَ، وأقبل أبو الروّاغ في طلب القوم حتى مرّ بسماك بن عبيد بالمدائن، فخبّره

<<  <  ج: ص:  >  >>