وأضع رجلي في الرّكاب وأستوِي عليه. قال: وشدّ والله أصحابه عليّ، فانتهوا إليَّ، وغمزتُ في جنب الفرس، فإذا هو والله أجوَد ما سُخِّر، ورَكَض منهم ناس في أثَري فلم يعلَقُوا بي، فأقبلتُ أركُض الفرسَ، وذلك عند المساء، فلما علمتُ أني قد فتُّهم وأمنت، أخذت أسيرُ عليه خَبَبًا وتقريبًا، ثمّ إني سرتُ عليه بذلك من سيره، ولقيت عِلْجًا فقلت له: اسعَ بين يديّ حتى تُخرِجني الطريق الأعظم، طريقَ الكوفة؛ ففعل، فوالله ما كانت إلا ساعة حتى انتهيت إلى كُوثَى، فجئت حتى انتهيت إلى مكان من النّهر واسع عريض، فأقحمتُ الفرس فيه، فعبَرْتُه، ثم أقبلتُ عليه حتى آتي ديرَ كعب، فنزلتُ فعلفتُ فرسي وأرحتُه وهوَّمت تهويمة، ثم إني هببت سريعًا، فحُلْت في ظهر الفرس، ثم سِرتْ في قِطْع من الليل فاتّخذت بقيّة الليل جَمَلًا، فصلّيت الغداة بالمزاحميّة على رأس فرسخين من قُبِّين، ثمّ أقبلتُ حتى أدخلَ الكوفة حينَ متَع الضّحى، فآتي من ساعتي شريك بن نملة المحاربيّ، فأخبرته خبري وخبرَ أصحابه، وسألته أن يَلقَى المغيرةَ بن شُعبة فيأخذَ لي منه أمانًا، فقال لي: قد أصبتَ الأمان إن شاء الله، وقد جئتَ ببشارة، والله لقد بتّ الليلة وإنّ أمر الناس ليَهمّني.
قال: فخرج شريك بن نملة المحاربيّ حتى أتى المُغيرة مسرعًا فاستأذَن عليه، فأذن له، فقال: إن عندي بُشرَى، ولي حاجة، فاقض حاجتي حتى أبشّرك ببشارتي، فقال له: قُضِيتْ حاجتُك، فهاتِ بُشْراك؛ قال: تؤمِّن عبدَ الله بن عُقبة الغَنَوِي، فإنه كان مع القوم، قال: قد آمنته، والله لَودِدْت أنك أتيتني بهم كلهم فآمنتهم، قال: فأبشِر؛ فإنّ القوم كلهم قد قُتلوا، كان صاحبي مع القوم، ولم ينجُ منهم فيما حدّثني غيره، قال: فما فعل معقل بن قيس؟ قال: أصلحك الله! ليس له بأصحابنا عِلم. قال: فما فرغ من منطقة حتى قدم عليه أبو الروّاغ ومسكين بن عامر بن أنيف مبشّرين بالفَتْح فأخبروا: أن معقل بن قيس والمستورِد بن عُلّفة مشَى كلّ واحد منهما إلى صاحبه، بيَدِ المستورِد الرّمح وبيَد معقل السيف، فالتَقَيَا، فأشرَع المستورد الرّمح في صدرِ معقل حتى خرج السنان من ظهره، فضربه معقل بالسيف على رأسه حتى خالط السيفُ أمّ الدماغ، فخرّا ميّتَيْن (١). (٥: ٢٠٥/ ٢٠٦ / ٢٠٧).