قتله. قال: فأخذ ليلةً أعرابيًّا، فأتى به زيادًا، فقال: هل سمعتَ النداء؟ قال: لا والله، قدمتُ بحَلوبة لي، وغشيني الليلُ، فاضطررْتها إلى موضع، فأقمتُ لأصبح، ولا علمَ لي بما كان من الأمير. قال: أظنك واللهِ صادقً، ولكن في قتلك صلاحُ هذه الأمّة؛ ثم أمر به فضُربتْ عُنقُه.
وكان زياد أوّلَ من شدّ أمرَ السلطان، وأكّد الملك لمعاوية، وألزَم الناسَ الطاعة، وتقدّم في العقوبة، وجرّد السيف، وأخذ بالظِّنّة، وعاقب على الشبهة، وخافه الناسُ في سُلطانه خوفًا شديدًا، حتى أمِن الناسُ بعضُهم بعضًا، حتى كان الشيء يَسقُط من الرجل أو المرأة فلا يَعرِض له أحد حتى يأتيَه صاحبه فيأخذه، وتَبيت المرأة فلا تُغلِق عليها بابها، وساس الناسَ سياسةً لم يُرَ مثلُها، وهابه الناس هَيْبةً لم يهابوها أحدًا قبلَه، وأدرَّ العطاءَ، وبنى مدينَة الرّزق.
قال: وسمع زياد جَرْسًا من دارِ عُمير، فقال: ما هذا؟ فقيل: محترس. قال: فليكفّ عن هذا، أنا ضامنٌ لما ذهب له؛ ما أصاب من إصْطَخْر.
قال: وجعلَ زياد الشُّرَط أربعةَ آلاف، عليهم عبد الله بن حِصْن، أحد بني عُبيد بن ثعلبة صاحب مقبرة ابن حصن، والجَعْد بن قيس النميريّ صاحب طاقِ الجَعْد، وكانا جميعًا على شُرَطه، فبينا زياد يومًا يسير وهما بين يديه يسيران بحرْبتيْن؛ تَنازَعا بين يديه، فقال زياد: يا جَعد، ألقِ الحربة! فألقاها، وثبت ابن حصن على شرَطه حتى مات زياد.
وقيل: إنه ولّى الجعْد أمرَ الفُسّاق، وكان يتتبّعهم؛ وقيل لزياد: إن السُّبُل مَخُوفة؛ فقال: لا أعاني شيئًا سوى المِصْر حتى أغلب على المِصر وأُصلِحه، فإنْ غلبني المِصر فغيره أشدّ غلبة؛ فلما ضبط المِصْر تكلف ما سوى ذلك فأحكَمَه. وكان يقول: لو ضاع حَبْلٌ بيني وبين خُراسانَ علمتُ مَن أخَذَه.
وكتب خمسمئة من مشيخة أهلِ البَصرة في صحابته، فرزقهم ما بين الثلاثمئة إلى الخمسمئة، فقال فيه حارثةُ بن بدر الغُدَانيّ:
ألا منْ مُبْلغٌ عنّي زِيادًا ... فنعْم أخو الخليفة والأميرُ!
فأَنتَ إمامُ مَعْدَلة وقَصْدٍ ... وحَزْمٍ حين تَحضُرك الأُمورُ
أخُوكَ خليفةُ الله ابْنُ حَرْبٍ ... وأَنْتَ وزيرُهُ، نِعْمَ الوزيرُ!
تُصيب على الهَوَى منه وتأْتي ... محِبَّك ما يُجِنُّ لنا الضَّميرُ