فالحق بأهلِك يَمنَعْك قومُك، فقام زياد ينظر إليهم وهو على المنبر، فغشوا بالعُمُد، فضرب رجل من الحمراء - يقال له: بكر بن عبيد - رأس عمرو بن الحَمِق بعمود فوقع، وأتاه أبو سُفْيان بن عُوَيمر والعَجْلان بن ربيعة - وهما رجلان من الأزْد - فحَمَلاه؛ فأتَيَا به دار رَجل من الأزْد - يقال له: عبيد الله بن مالك - فخبّأه بها، فلم يزل بها متواريًا حتى خرج منها.
ثم رجع إلى أوّل الحديث، قال: فلما ضرب عمرًا تلك الضربة وحمَلَه ذانك الرّجلان، انحاز أصحابُ حُجْر إلى أبواب كِنْدة، ويضرب رجلٌ من جُذام كان في الشُّرْطة رجلًا يقال له: عبدُ الله بن خليفة الطائيّ بعمود، فضَرَبه ضربةً فصرعه، فقال وهو يرتجز:
قد علِمَتْ يَوْمَ الهِياج خُلَّتي ... أني إذا ما فِئتِي تَولّتِ
وكَثُرَتْ عُداتُها أو قلَّتِ ... أَنِّي قتَّالٌ غداةَ بَلَّتِ
وضُرِبتْ يد عائذ بن حملة التميميّ، وكُسرتْ نابه، فقال:
إِنْ تَكْسِروا نابي وعَظْمَ ساعِدِي ... فإِنَّ فيَّ سوْرةَ المُناجِدِ
وبعضَ شَغْبِ البَطَلِ المُبالِدِ
وينتزع عمودًا من بعض الشُّرْطة، فقاتل به وحمَى حُجْرًا وأصحابه؛ حتى خرجوا من تلقاء أبواب كِنْدة، وبغلة حُجْر موقوفة، فأتى بها أبو العمرطة إليه، ثم قال: اركب لا أبَ لغيرك! فوالله ما أراك إلّا قد قتلتَ نفسك، وقتلتَنا معك؛ فوضع حُجْر رجلَه في الرِّكاب؛ فلم يستطع أن ينهض، فحمله أبو العمرّطةَ على بغلته، ووثب أبو العمرّطة على فرسه؛ فما هو إلا أدا استوى عليه حتى انتهى إليه يزيد بن طريف المسْلِيّ - وكان يغْمِز - فضرب أبا العمّرطة بالعمود على فخذه، ويخترط أبو العمرّطة سيفه، فضرب به رأس يزيد بن طريف، فخرّ لوجهه، ثم إنه برأ بعدُ، فله يقول عبد الله بن همّام السّلوليّ:
أَلُؤمَ ابْنَ لُؤمٍ ما عدا بك حاسِرًا ... إلى بَطَلٍ ذي جُرْأَةٍ وشَكِيمِ!
معاود ضَرْبِ الدَّارِعين بسَيْفِهِ ... على الهام عند الرَّوْغ غَيْرَ لئيم
إلى فارِسِ الغارَيْنِ يومَ تلَاقَيا ... بصفِّين قَرْمٍ خَيْرِ نَجل قُرُوم
حَسِبْتَ ابنَ بَرصاءَ الحِتار قِتالَهُ ... قِتالَك زَيْدًا يَوْمَ دارِ حَكيم
وكان ذلك السيف أوّل سيف ضُرب به في الكوفة في الاختلاف بين الناس،