ومضى حُجْر وأبو العَمرّطة حتى انتهيا إلى دار حُجْر، واجتمع إلى حُجْر ناس كثير من أصحابه، وخرج قيس بن فهدان الكِنديّ على حمار له يسير في مجالس كِنْدة، يقول:
يا قَوْمَ حُجْرٍ دافِعُوا وصاوِلوا ... وعَنْ أخيكمْ ساعَةً فقاتِلوا
لا يُلْفَيا مِنكمْ لحُجْرٍ خاذِلُ ... ألَيْسَ فيكُمْ رامحٌ ونابلُ
وفارِسٌ مُسْتَلْئِمٌ وراجلٌ ... وضارِبٌ بالسَّيْفِ لا يُزايلُ!
فلم يأته من كِنْدة كثير أحد، وقال زياد وهو على المنبر: ليقم همْدان وتميم وهَوازن وأبناء أعصُر ومذحِج وأسد وغَطفان فليأتوا جبّانةَ كِنْدة، فليَمْضوا مِنْ ثمّ إلى حُجْر فليأتوني به، ثم إنه كره أن يسيّرَ طائفةً من مضرَ مع طائفة من أهل اليَمن فيقع بينهم شَغَب واختلاف، وتفسُد ما بينهم الحميّة، فقال: لتقُم تميم وهَوازنُ وأبناء أعصُر وأسَد وغَطَفان ولتمضِ مَذحِج وهَمْدان إلى جبّانة كِنْدة، ثم لينهضوا إلى حُجْر فليأتوني به، وليَسِر سائرِ أهلِ اليمن حتى ينزلوا جبانة الصائديّين، فليمضوا إلى صاحبهم، فليأتوني به، فخرجَتِ الأزْدُ وبَجيلةُ وخثعم والأنصار وخُزاعة وقضاعة، فنزلوا جبّانة الصائديّين، ولم تخرج حضر موت مع أهل اليَمن لمكانهم من كِنْدة، وذلك أنّ دعوة حضر موتَ مع كِنْدة، فكرهوا الخروجَ في طلب حجر (١). (٥: ٢٥٨/ ٢٥٧، تكملة ٢٥٨/ ٢٦٠/٢٥٩/ ٢٦١).
قال أبو مخنف: فحدّثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر، قال: لما انصرفنا من غزوة باجُمَيرا قبل مَقتل مُصعب بعام، فإذا أنا بأحمريّ يسايرني - ووالله ما رأيتُه من ذلك اليوم الذي ضرب فيه عمرو بن الحَمِق، وما كنت أرى لو رأيتُه أن أعرفه - فلما رأيته ظننتُ أنه هو هو؛ وذاك حين نظرْنا إلى أبيات الكوفة، فكرهتُ أن أسألَه: أنت الضارب عمرو بن الحَمِق؟ فيُكابرني، فقلت له: ما رأيتُك من اليوم الذي ضربتَ فيه رأسَ عمرو بن الحمق بالعمود في المسجد إلى يومي هذا، ولقد عرفتُك الآن حين رأيتُك؛ فقال لي: لا تَعْدم بصرَك، ما أثبتَ نظرَك! كان ذلك أمرُ الشيطان، أما إنه قد بلغني أنه كان امرأ صالحًا، ولقد ندمتُ على تلك الضربة، فأستغفر الله، فقلت له: ألا ترى والله