لا أفترق أنا وأنت حتى أضربَك على رأسك مِثلَ الضّربة التي ضربتَها عمرو بن الحمق أو أموت أو تموت! فناشدَني الله وسألني الله، فأبَيْتُ عليه، ودعوتُ غلامًا لي يُدعَى رشيدًا من سَبْي أصبهان معه قَناة له صلْبة، فأخذتُها منه، ثم أحمل عليه بها، فنزل عن دابّته، وألحقه حين استوت قَدَماه بالأرض، فأصفع بها هامَتَه، فخرّ لوجهه، ومضيتُ وتركته، فبَرأ بعدُ؛ فلقيتُه مرّتين من الدهر، كلّ ذلك يقول: الله بيني وبينك! وأقول: الله عزّ وجلّ بينك وبين عمرو بن الحَمِق (١)! (٥: ٢٥٨/ ٢٥٩).
قال أبو مخنف: حدّثني يحيى بن سعيد بن مخنف عن محمد بن مخنف، قال: إني لمع أهل اليَمَن في جبّانة الصائديّين؛ إذ اجتمع رؤوس أهلِ اليَمَن يتشاورون في أمر حُجْر، فقال لهم عبد الرحمن بن مِخنف: أنا مشير عليكم برأي إذا قبلتموه رجوتُ أن تسلموا من اللائمة والإثم، أرى لكم أن تَلبثوا قليلًا فإنْ سُرْعان شباب هَمْدان ومذحِج يُكفونكم ما تكرهون أن تلُوا من مساءة قومكم في صاحبكم قال: فأجمع رأيهم على ذلك، قال: فوالله ما كان إلا كلا ولا حتى أتينا، فقيل لنا: إن مذحِج وهَمْدان قد دخلوا فأخَذوا كلّ من وجدوا من بني جَبَلَة قال: فمرّ أهل اليمن في نواحي دور كِندة معذِّرة، فبلغ ذلك زيادًا، فأثنَى على مذحِج وهَمْدان وذمّ سائرَ أهل اليمن، وإنّ حُجرًا لَما انتهى إلى داره فنظر إلى قلّة مَنْ معه من قومه، وبلغه أنّ مذحِج وَهَمْدان نزلوا جبّانة كندة وسائر أهل اليمن جبّانة الصائديّين قال لأصحابه: اِنصرفوا فوالله ما لكم طاقةٌ بمن قد اجتمع عليكم من قومكم، وما أحبّ أن أعرّضكم للهلاك؛ فذهبوا لينصرفوا، فلحقتْهم أوائلُ خيل مذحِج وهَمْدان، فعطف عليهم عمير بن يزيد وقيس بن يزيد وعبيدة بن عمرو البدِيّ وعبد الرحمن بن مُحرِز الطّمحيّ، وقيس بن شمر، فتقاتلوا معهم، فقاتلوا عنه ساعة فجرِحوا، وأسِر قيس بن يزيد، وأفلت سائر القوم، فقال لهم حجر: لا أبَا لكم! تفرّقوا لا تقاتلوا فإني آخُذُ في بعض السِّكك، ثم آخذ طريقَّا نَحوَ بني حرب، فسار حتى انتهى إلى دارِ رجل منهم يقال له: سليم بن يزيد، فدخل دارَه، وجاء القومُ في طلبه حتى انتهوا إلى تلك الدار، فأخذ سليم بن يزيد سيفه، ثم ذهب ليخرج إليهم، فبكتْ بناتُه؛ فقال له حُجْر: