ما تريد؟ قال: أريد والله أسألهم أن ينصرفوا عنك، فإن فعلوا وإلا ضاربتُهم بسيفي هذا ما ثبتَ قائمُه في يدي دونك؛ فقال حُجر: لا أبا لغيرك! بئس ما دخلتَ به إذًا على بناتك! قال: إنّي والله ما أمُونُهنّ، ولا رزقُهنّ إلا على الحيّ الذي لا يموت؛ ولا أشتري العارَ بشيء أبدًا، ولا تخرج من داري أسيرًا أبدًا وأنا حيّ أملك قائمَ سيفي، فإنْ قتِلتُ دونك فاصنع ما بدا لك. قال حُجر: أما في دارك هذه حائط أقتحمه، أو خَوْخة أخرج منها، عسى أن يسلمني الله عزّ وجلّ منهم ويسلّمك، فإذا القوم لم يقَدرِوا عليّ عندك لم يضروك! قال: بلى هذه خَوْخة تخرجك إلى دور بني العنبر وإلى غيرهم من قومك، فخرج حتى مرّ ببني ذُهْل، فقالوا له: مَرَّ القومُ آنفًا في طلبك يقْفون أثرَك. فقال: منهم أهرُب؛ قال: فخرج ومعه فِتْية منهم يتقصّوْن به الطريق، ويسلُكون به الأزقّة حتى أفضَى إلى النَّخَع، فقال لهم عند ذلك: انصرِفوا رحمكم الله! فانصرَفوا عنه، وأقبل إلي دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر فدخلها، فإنّه لكذلك قد ألقى له الفرُشَ عبدُ الله، وبسط له البُسُط، وتلقاه ببَسْط الوجه، وحُسن البِشْر، إذ أتي فقيل له: إنّ الشُّرَط تسأل عنك: في النَّخَع- وذلك أنّ أمةً سوداء يقال لها: أدماء، لقيتْهم، فقالت: مَنْ تطلبون قالوا: نطلب حُجْرًا؛ قالت: ها هو ذا قد رأيتُه في النَّخَع، فانصرَفوا نحو النَّخَع- فخرج من عند عبد الله متنكِّرًا، ورَكِب معه عبدُ الله بنُ الحارث ليلًا حتى أتى دارَ ربيعة بن ناجد الأزديّ في الأزْد، فنزلها يومًا وليلة، فلما أعجَزَهم أن يقدروا عليه دعا زياد بمحمد بن الأشعث فقال له: يا أبا مَيْثاء، أما والله لتأتينّي بحُجْر أو لا أدَع لك نخلةً إلا قطعتُها، ولا دارًا إلا هدمتها ثم لا تسلَم مني حتى أقطِّعكَ إرْبًا إرْبًا؛ قال: أمهِلني حتى أطلبه؛ قال: قد أمهلتك ثلاثًا، فإن جئتَ به وإلا عُدّ نفسك مع الهَلْكَى. وأخرِج محمدًا نحو السجن منتقع اللون يُتلّ تلًّا عنيفًا، فقال حُجر بن يزيد الكنديّ لزياد: ضَمنِّيه وخلّ سبيلَه يطلب صاحبه؛ فإنه مخلَّى سَرْبُه أحْرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسًا، فقال: أتضْمنه؟ قال: نعم؛ قال: أما والله لئن حاصَ عنك لأزيرنّك شَعوب، وإن كنت الآن عليَّ كريمًا، قال: إنه لا يفعل فخلّى سبيله.
ثمّ إن حُجر بن يزيد كلمه في قيس بن يزيد، وقد أُتِيَ به أسيرًا، فقال لهم: ما على قيس بأس، قد عرفْنا رأيَه في عثمان، وبلاءَه يومَ صِفّين مع أمير المؤمنين،