للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتن ووثوب على السلطان، لم تكن فتنةٌ في العراق قطّ إلا وثب فيها، وهو ترابيّ يلعن عثمان، وقد خرج مع ابن الأشعث فشهد معه في مواطنه كلها، يحرّض الناسَ حتى إذا أهلكهم الله؛ جاء فجلس في بيته، فبعث إليه الحجاجُ فضرب عنقَه، فقال بنو أبيه لآل حوشب: إنما سعيتمْ بنا سعيًا، فقالوا لهم: وأنتم إنما سعيتم بصاحبنا سعيًا (١). (٥: ٢٧٩/ ٢٨٠/ ٢٨١).

فقال أبو مخنف: وقد كان عبد الله بن خليفة الطائيّ شهد مع حُجْر بن عدي، فطلبه زياد، فتوارَى، فبعث إليه الشُّرَط، وهم أهل الحمراء يومئذ، فأخذوه، فخرجتْ أخته النوّار فقالت: يا معشر طيئ، أتسلمون سنانَكم ولسانَكم عبدَ الله بن خليفة! فشدّ الطاليُّون على الشُّرَط فضربوهم وانتَزعوا منهم عبدَ الله بن خليفة! فرجعوا إلى زياد، فأخبروه، فوَثَب على عديّ بن حاتم، وهو في المسجد، فقال: ائتني بعبد الله بن خليفة؛ قال: وما له! فأخبره، قال: فهذا شيء كان في الحيّ لا علمَ لي به؛ قال: والله لتأتيَنِّي به؛ قال: لا، والله لا آتيك به أبدًا، أجيئك بابن عمّي تقتُله! والله لو كان تحت قدميّ ما رفعتُهما عنه، قال: فأمر به إلى السجن؛ قال: فلم يَبق بالكوفة يمانيٌّ ولا رَبَعيٌّ إلّا أتاه وكلّمه، وقالوا: تفعل هذا بعديّ بن حاتم صاحبِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قال: فإني أخرجه على شرط، قالوا: ما هو؟ قال: يخرج ابن عمّه عني فلا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان، فأتِيَ عديّ فأخبر بذلك، فقال: نعم، فبعث عديّ إلى عبد الله بن خليفة فقال: يا بن أخي! إنّ هذا قد لجّ في أمرِك، وقد أبى إلا إخراجَك عن مِصْرِك ما دام له سلطان، فالحقْ بالجبلين، فخرج؛ فجعل عبد الله بن خليفة يكتب إلى عديّ، وجعل عديٌّ يمنّيه، فكتب إليه:

تذكَّرتُ ليلى والشَّبِيبةَ أَعصُرا ... وذكْرُ الصِّبَا بَرْخٌ على من تذكَّرا

ووَلّى الشَّبابُ فافتقدتُ غُضُونَهُ ... فيا لك من وَجْد به حين أَدْبَرا

فدع عنك تذكار الشبابِ وفَقدهُ ... وآثارهُ إذ بانَ منك فأَقصَرا

وبَكِّ على الخُلانِ لمّا تُخُرِّمُوا ... ولم يجدُوا عن مَنهَلِ الموتِ مَصدرا

دعَتهمْ مَناياهمْ ومَنْ حانَ يَومُهُ ... من الناس فاعلم أنه لن يؤِخَّرا

أولئك كانوا شِيعةً لي ومَوْئلًا ... إذا اليوم أُلفِي ذا احتِدَام مُذكَّرا


(١) إسناده تالف وفي متنه نكارة وأما الحديث المرفوع (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>